ما صحّة المفاوضات الجنوبية في رمضان وهل من “إغراءات”؟
رضوان عقيل-“النهار”
توقفت أكثر من جهة محلّية وخارجية عند كلام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن أن شهر رمضان سيكون موعداً للمفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل لتثبيت النقاط البرية المتنازع عليها على الحدود في الجنوب، بدءاً من نقطة الـ B1 في الناقورة. ويبقى العامل المشجّع الذي دفع الرئيسين ميقاتي ونبيه بري إلى الدخول في هذا الموضوع الشائك في الأصل بعد زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين لبيروت وحصولهما منه على نقاط يمكن البناء عليها، الأمر الذي يولّد جملة من التوقّعات في انتظار إرساء الهدنة المنتظرة في قطاع غزة، علماً بأن أصداء مفاوضات القاهرة لا تدعو إلى الاطمئنان من جرّاء الشروط التي تضعها إسرائيل، حيث لا تنفك بواسطة الأميركيين تضغط على “حماس” وتحاول إجبارها على تقديم مزيد من التنازلات ليظهر بنيامين نتنياهو وأركان حكومته وجيشه في موقع المنتصر. وتمت مفاتحة لبنان بملف الحدود قبل واقعة السابع من تشرين الأول الفائت وعملية “حماس”، وازدادت تشعّباته أكثر بعد المواجهات العسكرية في الجنوب التي دخلت شهرها السادس على وقع جملة من المؤشّرات التي لا تدعو إلى الاطمئنان إذا بقيت الأمور على هذه الوتيرة العسكرية غير المطمئنة، خصوصاً إن لم تنجح حصيلة جولة هوكشتاين في بيروت وتل أبيب ومساعيه المرتبطة بثلاثة خطوط إسرائيلية وفلسطينية ولبنانية.
وبناءً على المعطيات التي استند إليها ميقاتي للدخول في عملية التفاوض، يتبيّن أنه لا يمكن الدخول في كواليسها قبل التوصّل إلى تطبيق هدنة في غزة على مدار 45 يوماً ومن دونها لا يمكن التعويل على أي خروق إيجابية في الجنوب مع تكرار قيادة “#حزب الله” أنها على الثوابت التي أعلنتها في اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي في غزة. وتشكل هذه الهدنة الحجر الأساس الذي يمكن استثماره والبناء عليه في الجنوب رغم كل التهديدات الإسرائيلية المتواصلة والتي لا تتحدث عن فصل في الجبهتين. ويخوض الحزب مفاوضات غير مباشرة مع واشنطن بواسطة بري وميقاتي لأنه من دون الوقوف على رأيه لا يمكن البناء على أي مسألة في الحدود من دون الرجوع إليه. ويمكن القول بحسب أكثر من مراقب إن عملية التفاوض جارية وقد بدأت ولو تحت زنّار النار.
وتؤكد مصادر لبنانية كانت على اطلاع مباشر على لقاءات هوكشتاين أن ميقاتي يتعاطى بجدية عالية مع هذا الملف بناءً على ما تلقّاه من الأميركيين وغيرهم من الغربيين الذين يخشون تدهور جبهة الجنوب والحذر من إقدام تل أبيب على تنفيذ عدوان كبير على غرار نسخة تموز 2006. ومن هنا كان التركيز من هوكشتاين على ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار في الجنوب لاتباع جملة من الخطوات التي تبدأ أولاً بحسب ما يهمّ واشنطن والعواصم الغربية بالإسراع في عودة المستوطنين إلى منازلهم في الشمال، على أن تترافق هذه الخطوة مع عودة النازحين الجنوبيين إلى بلداتهم. وفي حال التوصل إلى خطوة عودة المستوطنين في شمال إسرائيل والنازحين في الجنوب التي ستصب في مصلحة الجميع لا تعارض الحكومة هنا البت في تثبيت النقاط البرية على الحدود مع إسرائيل، وإن كان من غير المتوقّع أن تقبل الأخيرة البحث في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة والانسحاب منها. وتؤكد المصادر هنا أن من غير المتوقّع في مثل هذه الظروف قبول تل أبيب ترك هذه المزارع حيث يحتاج ملفها إلى تسوية دولية كبيرة جرّاء ما تختزنه من تعقيدات. ومن هنا، لم يطرح هوكشتاين موضوع المزارع. وتقول مصادر ديبلوماسية إنه في أحسن الحالات تكون العودة إلى ما قبل “7 أكتوبر” مع التوقف عند أخطار تهديدات المسؤولين في إسرائيل المترافقة مع حفلة مزايدات في ما بينهم تتعلق بحسابات من يتسلّم زمام الأمور في الكنيست والحكومة.
ويبقى ما يهم المسؤولين في لبنان وهم على تواصل لم ينقطع مع هوكشتاين، أنه قبل وقف النار في غزة والجنوب لا يمكن الخوض في أي نقطة على الحدود سترتب العودة إلى القرار 1701 ولو أن مندرجاته تحمل تفسيرات عدة، حيث يعمد كل فريق من المعنيين إلى إبرازها على الطاولة مع تكرار كل من بري وميقاتي أن لبنان لم يتخلَّ عن هذا القرار الذي خرقته إسرائيل آلاف المرات طوال السنوات الأخيرة، فيما لا تتراجع قيادتها عن سعيها الدائم، لا سيما بعد واقعة غزة، لإبعاد وحدات الحزب العسكرية عن الحدود مع ملاحظة أن الجيش الإسرائيلي عمد إلى تدمير عشرات المنازل التي تقع على مقربة من الحدود. وهذا ما يطبّقه في بلدة الظهيرة في القطاع الغربي وصولاً إلى بلدات متاخمة للخط الأزرق في قضاءي بنت جبيل ومرجعيون بهدف تمكين مواقعه وأجهزة المراقبة لديها من كشف أكبر مساحة من هذه البلدات ولحماية نقاطها العسكرية بطريقة أكبر ولتكون بعيدة عن نيران “حزب الله” وتهديداته.
وتعقيباً على ما يعمل عليه ميقاتي، تفيد جهات مواكبة لملف الجنوب أن موضوع وقف المواجهات على الحدود يأخذ مساحة من متابعاته مع المسؤولين الغربيين خصوصاً الجانب الأميركي الذي يمثله هوكشتاين للعمل على تطبيق الأفكار التي جرى بحثها معه في بيروت التي تبقى كلها رهن تطورات غزة. وثمة من يتحدث عن “إغراءات اقتصادية” قدّمها هوكشتاين في حال تجاوب لبنان مع مطالبه الحدودية، بحيث ستقدم واشنطن على الإيعاز لشركة “توتال” الفرنسية بمعاودة أعمال الحفر والتنقيب عن بلوكات النفط في المياه البحرية في الجنوب والحصول على مشروع استيراد الغاز من مصر واستجرار الكهرباء من الأردن.
وفي غضون ذلك، ينشط هوكشتاين لبنانياً ليكتب في سجلّه نجاحاً آخر بعد تمكّنه من إنجاز ملف الترسيم في المفاوضات البحرية التي استفاد منها الرئيس جو بايدن، وإذا نجح كبير مستشاريه مرة أخرى في مهمته الصعبة في المنطقة فسيستغلّها الحزب الديموقراطي في معركته الرئاسية والإثبات أمام اللوبيات اليهودية في أميركا أن الديموقراطيين يخدمون إسرائيل ولو أن أكثر الناخبين الأميركيين يتأثرون بالعوامل الداخلية أكثر من الخارجية، لكنّ إسرائيل تبقى عندهم مادة للإغراء الشديد وعلى أكثر من مستوى.
radwan.aakil@annhar.com.lb