Uncategorized

الكاتب والاديب طلال شتوي “في ذكرى الرشيد”…

بمناسبة الذكرى 37 لاستشهاد الرئيس رشيد كرامي، كتب عضو المكتب السياسي في تيار الكرامة الكاتب والأديب طلال شتوي:

“لبنانية” رشيد كرامي كلّفته حياته!
لقد فهم “الأستثناء” اللبناني وآمن به، وناضل من أجل ابتكار التكييفات الوطنية الكبرى التي، لو قدّر لها أن تنجح، لكانت جنّبت الوطن الصغير الجميل كل المآسي والمحن التي عاشها ولا يزال أسير تداعياتها حتى اليوم.
حاول رشيد كرامي، خلال ممارسته الوطنية الرفيعة، أن يكون “الليبرالي” النابذ للعنف والداعي الى الحوار، وأن يقنع الشريك في الوطن بأن تجاهل الحتميات الجيو- سياسية لا يعني زوال هذه الحتميات، وأن حماية التجربة اللبنانية تكون بالتعامل مع الوقائع بحكمة وحنكة.
من طرائف زمن رشيد كرامي أن لبنان كان حسب النص الدستوري بلدا ذا وجه عربي! وحاول كرامي أن يقنع مبتكري هذه البدعة ان الأفضل للبنان التعامل مع الحقائق، وأبرز الحقائق أن لبنان عربي بأمتياز ومؤسّس للعمل العربي المشترك ولجامعة الدول العربية.
ومن حماقات زمن رشيد كرامي أن لبنان اخترع “جغرافيا” وهمية وكابر طوال الوقت في الأعتراف بأن نشوء دولة اسرائيل عام 1948 ليس نكبة فلسطينية فقط، ولا مشكلة عربية فقط، بل هو كارثة لبنانية.
لم يساوم رشيد كرامي حول اتجاهاته القومية العربية، وحول اعتباره سوريا الجارة التاريخية التي لا يمكن للبنان أن يعاديها أو يجافيها، وحول ايمانه الراسخ بأن تحرير فلسطين من الرجس الأسرائيلي حق وواجب.
لكنه، فعل كل ذلك منطلقا من لبنانيته الرشيدة العاقلة.
هل كان رشيد كرامي مع الكفاح الفلسطيني المسلح؟ نعم، ودون أي تردد، لكنه قطعا لم يكن مع التجاوزات الفلسطينية في لبنان.
هل كان صديقا لسوريا؟ نعم، ودون أي تردد، لكن كثيرين يتناسون أنه احد النواب الستة الذين وقعوا وثيقة ضد التدخل السوري المسلح في الأزمة اللبنانية.
ولاحقا لم يكن مؤيدا للدخول السوري الى لبنان، وكان هذا الدخول مطلب الجبهة اللبنانية المعلن لدرجة أن كميل شمعون ناشد حافظ الأسد بأعلان الفيديرالية بين لبنان وسوريا!
هل كان رشيد كرامي ناصري الهوى وتربطه بجمال عبد الناصر علاقة حميمة وطيدة؟ نعم، وبشدة، ولكن يوم حجّ اللبنانيون الى دمشق لتهنئة عبد الناصر بالوحدة بين مصر وسوريا وبلغت بهم الحماسات في اجتماع مغلق بمطالبة عبد الناصر بضم لبنان الى الجمهورية العربية المتحدة، أي الى دولة الوحدة، فـأن رشيد كرامي بقي صامتا يتجنب النظر في وجه الزعيم العربي الكبير الذي سرعان ما التفت اليه ووضع يده على رجله وهو يقول له: رشيد بك لا تقلق، فلبنان كما هو حاليا يناسب العروبة اكثر مما لو ضممناه الى الوحدة العربية دون توافق كل أبنائه على ذلك!
هل كان رشيد كرامي حرا وشجاعا؟ بكل تأكيد…
يوم قيل انه موجود في دمشق في ما يشبه الأقامة الجبرية في قصر الضيافة السوري، ابان الصراع الفلسطيني- الفلسطيني الدموي في طرابلس، أصدر من هناك بيانه الشهير الذي توجه فيه الى الرئيس حافظ الأسد والأخ أبو عمار (كما النص الحرفي للبيان)، مناشدا الرجلين بحقن الدماء وايقاف الدمار وتوفير هذه الجهود والدماء والأسلحة لمعركة تحرير القدس بدلا من معركة تحرير مخيم البداوي (أيضا كما النص الحرفي للبيان).
هل فكّر رشيد كرامي في انهاء الدور المسيحي في لبنان؟ اطلاقا!
وقد اختلف مع بعض المغالين من أركان الحركة الوطنية الذين راودهم هذا الحلم الكابوسي!
لقد سألته في حوار نشر في مجلة “الأفكار” قبل اغتياله بشهرين ان كان موافقا على مصطلح “الأنعزاليين”، وأجابني ببساطة أنه مصطلح تخويني غير موفق وان اللبنانيين لا مفر لهم من اللقاء والتفاهم بدون اكراه ولو بقيوا يتحاورون لأقناع بعضهم البعض مئة سنة.
سألته في ذلك الحوار أيضا ان كان فعلا يراوده طموح أن يكون أول رئيس جمهورية مسلم للبنان!
ضحك طويلا، وأسرّ لي انها احدى طرائف كميل شمعون! وأكمل بأن شمعون اختاره وزيرا لأول مرة في الخمسينات لكي يحرقه فأذا به يصبح رئيس حكومة! وأن شمعون، رغم حنكته المشهود لها، أدرك مبكرا أن أي مبارزة مع رشيد كرامي ستكون بلا اثارة لأنها ستنتهي الى التعادل دون أهداف!
وقال، وبوضوح، أنه لن يساهم في تغيير حرف واحد من الميثاق الوطني الذي يعطي الرئاسة للموارنة، الا حين يقرر الموارنة قبل سواهم الغاء نظام الأمتيازات الطائفية.
وروى لي في تلك الجلسة الأخيرة، رغم حداثة سني، انه يعرف حجمه جيدا ويعرف حجم لبنان جيدا، ولو رغب بزعامة عربية واسلامية أهم من رئاسة الجمهورية لكان الأمر في متناوله.
وأخبرني انه خلال زيارة له الى الهند، وكان خارج الحكم آنذاك، طلبت منه أنديرا غاندي ادارة وساطة بين الهند وباكستان للوصول الى حل حول كشمير، وأن مكانته كزعيم مسلم كبير سيكون لها تأثيرها الأيجابي على الحكومة الباكستانية.
يومها، قال لغاندي: اعذريني يا سيدتي رئيسة الوزراء، أنا عضو في المجلس النيابي اللبناني، ولا أمتلك أية صلاحيات من حكومتي لكي أتدخل في أزمة خارجية دولية.
وبعد،
أليس من حق اللبنانيين أن يعرفوا رشيد كرامي وسواه من رجالات الوطن، على مقاعد الدراسة، بدلا من الخزعبلات التي يتم تدريسها للأجيال عن المتصرفية والقائمقاميتين والأمير فخر الدين والأمير بشير الشهابي و”أخوت شاناي”؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى