خبر الان

بين الواقع والوهم: هل تُنقذ الحكومة الإلكترونية الشعب من البيروقراطية؟

بقلم: لبنى عويضة…

خاص: جريدة الرقيب الالكترونية

في عصرٍ تتسابق فيه التكنولوجيا لتطويع كل زاوية من حياتنا، يبدو أن الوقت قد حان لإلقاء أوراق الطباعة جانبًا، وتوديع طوابير الانتظار الطويلة، والانتقال أخيرًا إلى “العالم الرقمي”. ولكن السؤال الذي يطرق أبوابنا بعناد: هل يمكن للتكنولوجيا أن تكون المخلّص المنتظر لنظامٍ يعاني من أزمات البيروقراطية المزمنة؟ أم أن الحكومة الإلكترونية مجرد حلم رقمي يعيش على أوهامنا؟

لماذا الحكومة الإلكترونية؟

من حقنا أن نتساءل: هل يمكن لأجهزة الكمبيوتر أن تنجز ما عجز عنه الإنسان الذي ما زال يحتضن ملفات وأوراقًا كأننا في القرن التاسع عشر؟ الإجابة بسيطة وصريحة: نعم، بل وبحماسة.

الحكومة الإلكترونية ليست مجرد وسيلة لتوفير ساعات من حياتنا أُهدرت في طوابير لا تنتهي، بل هي وعدٌ بمستقبلٍ أكثر سلاسة، حيث يمكنك – تخيل معي – تجديد جواز سفرك وأنت مستلقٍ في فراشك، بدلاً من التوجه إلى مبنى مكتظٍ يذكّرك بلعبة “المتاهة” في طفولتك.

تخيل أن بإمكانك التخلص من كابوس موظف الاستقبال الذي يصرخ عليك لأن الحبر “مُسِح” أثناء الطريق! أليست فكرة تُشبه الانتقال من عصر الشموع إلى الكهرباء؟

شفافية بحلّة رقمية جديدة

عندما تصبح الإجراءات الحكومية رقمية، يتحول كل توقيع وكل موافقة إلى خيط من النور يمكن تتبعه بسهولة. بمعنى آخر، سنحصل على حكومة نستطيع مراقبتها كما نراقب تطبيقاتنا المصرفية.

أما الفساد، فسيواجه معضلةً جديدة: كيف يخفي نفسه خلف شاشة تُظهر لنا كل شيء، حتى تلك الرسائل المزعجة: “خطأ في الاتصال”؟ في العالم الرقمي، كما أن الأعذار يجب أن تكون ذكية بدورها!

التحديات: عقبات في طريق التحول

لكن دعونا لا نُبالغ في أحلامنا الرقمية. هناك أسئلة أكثر جدية تطرح نفسها في الطريق إلى هذا التحول:
1. البنى التحتية:
هل تمتلك الحكومة القدرة على رفع يدها عن تلك الأوراق المكدّسة التي تشعر وكأنها أرشيف من عصور ما قبل التاريخ؟ وإذا كنا لا نزال نعاني للحصول على اتصال إنترنت مستقر، كيف لنا أن نحصل على خدمات حكومية رقمية؟
2. الأمن السيبراني:
ما مصير بياناتنا؟ أليست لدينا مشاكل حتى في حماية صورنا على التطبيقات؟ في العالم الرقمي، كلمة المرور لن تكون كافية؛ سنحتاج إلى ترسانة كاملة من الأمن الإلكتروني.
3. المقاومة الثقافية:
دائمًا ما نجد ذلك الشخص الذي يعشق “رائحة الورق” ويفضل ملء الاستمارات التي تتناثر كأوراق الخريف. هؤلاء “الشجعان” الذين يتحدّون كل جديد هم العقبة الأصعب في هذا التحول.

لبنان والحكومة الإلكترونية: تحدي المستحيل؟

في لبنان، البلد الذي تشعر فيه أن حتى الشوارع قد شاخت من كثرة الانتظار، كيف لنا أن نتخيل إدارة حكومية إلكترونية لا تشوبها أعطال أو مشاكل؟

ربما نحن بحاجة أولًا إلى شبكة إنترنت أسرع من سرعة التفكير، وربما أيضًا إلى إلهام من حكوماتٍ رقمية في دول أخرى استطاعت تجاوز التحديات. ومع ذلك، لا شيء يمنعنا من تخيّل حكومة إلكترونية لبنانية تحول المعاملات الورقية إلى معاملات “بكبسة زر”، بينما تترك الأزمات الأبدية – مثل الرواتب – في الخلفية!

التطورات السياسية: فرصة جديدة للتغيير؟

في ظل التطورات السياسية الأخيرة في لبنان، ومع تكليف القاضي نواف سلام بتشكيل حكومة جديدة بعد انتخاب العماد جوزيف عون رئيسًا للجمهورية، يبرز التحول الرقمي كأحد أهم الملفات التي يجب معالجتها.
إن الحكومة الجديدة أمام فرصة فريدة لاعتماد نموذج الحكومة الإلكترونية كوسيلة لتخفيف العبء البيروقراطي وتحقيق الشفافية.

ولكن، هل ستواجه هذه الحكومة التحديات الجوهرية التي تعيق هذا التحول؟
• كيف ستتعامل مع ضعف البنية التحتية الرقمية؟
• هل سيكون لديها الجرأة لتحديث التشريعات بما يتماشى مع متطلبات العصر الرقمي؟
• وكيف ستقنع المواطن اللبناني، الذي أرهقته الأزمات، بأن هذا التحول الرقمي ليس مجرد وهم؟

الحكومة الإلكترونية: ضرورة العهد الجديد؟

من لم يصدق أن الحياة الرقمية هي المستقبل، عليه فقط أن ينظر إلى التطبيقات التي اجتاحت حياتنا، من دفع الفواتير إلى حجز الرحلات وحتى طلب القهوة.

ربما حان الوقت لنطوي أوراقنا المهترئة، وننظر بثقة إلى الشاشة أمامنا. فالمستقبل الذي نحلم به قد لا يحتاج إلى أكثر من قليلٍ من الـــ”click” والكثير من الإرادة لتحقيق التغيير.

فهل تكون الحكومة الإلكترونية أولى خطوات العهد الجديد؟ أم تظل مجرد حلم يعيش في خيالنا؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى