لبنان

الحوار الاستراتيجي الأميركي العراقي 2025 بين جدولة الانسحاب وتغيير خرائط النفوذ.

كَتَبَ إسماعيل النجار

في خضم التحولات الإقليمية المتسارعة التي أعقبت الحرب بين إسرائيل وإيران، برز مجددًا ملف الوجود الأميركي في العراق إلى الواجهة، مدفوعًا بتوازنات دقيقة بين الداخل العراقي، وضغوط إيرانية متزايدة، إشتبكت مع مصالح أميركية لا تزال ترى في العراق ساحة أساسية لاحتواء الخصوم وتثبيت نفوذها في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

الجولة الأخيرة من الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد جاءَت في هذا السياق، مُحاوِلةً ترميم العلاقة بينهما، وتحديد ملامح المرحلة المقبلة، وخاصة فيما يخص جدولة الانسحاب الأميركي من الأراضي العراقية,ترتكز العلاقات بينهما منذ 2008 على “اتفاقية الإطار الاستراتيجي”،التي تنظم التعاون في المجالات الأمنية، الاقتصادية، والثقافية.لكن بعد انسحاب القوات القتالية الأميركية في 2011، ثم عودتها لمحاربة داعش في 2014، تغيرت معادلة الوجود العسكري الأميركي لتصبح أكثر تعقيدًا، خصوصًا بعد اغتيال الحاج قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس عام 2020. لأنَّ الحكومة العراقية، منذ أل 2022، تتعرض لضغوط من قوى سياسية عراقيه والفصائل المجاهدة تطالب بإخراج الأميركيين من بلاد الرافدين، فيما تسعى أطراف أخرى داخل الدولة للحفاظ على التنسيق مع واشنطن كجزء من توازن إقليمي ضروري بالنسبة لها. لذلك فإن أبرز الاتفاقات في الجولة الأخيرة هذا العام (2025) تركزت على جدولة انسحاب القوات القتالية الأميركيه حيث تم الاتفاق على جدولة تدريجية لإنسحابهم دون تحديد موعد نهائي صارم، الولايات المتحدة تؤكد أن انسحابها “مشروط بالتطورات الميدانية” واستمرار تهديد داعش كحُجَة للبقاء في العراق الذي وافق على بقاء بعض العناصر كمستشارين ومدربين،وتوسيع التعاون غير العسكري المتفق عليه بين البلدين كدعم مشاريع الطاقة الكهربائية والغاز التي تهدف لفك الارتباط التدريجي عن استيراد الطاقة من إيران،والتزام الجانب الأمريكي بمساعدة بغداد في مكافحة الفساد، والإصلاح المالي، وتعزيز الحوكمة،ودعم سيادة العراق.

البيانات الرسمية التي صدرت أكدت التزام واشنطن بوحدة وسلامة الأراضي العراقية. ولم يتم التطرق مباشرة إلى “الحشد الشعبي”، ولكن جرى التأكيد على “حصر السلاح بيد الدولة”. في إستمرار الإصرار الأميركي إعتبار قوات الحشد الشعبي ميليشيا وليست قوة عسكرية عراقيه رسمية لكونها موالية للعتبة الحسينيه!.أجَلَت واشنطن النقاش في نقاط الخلاف الأساسيه مع بغداد ولم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن مستقبل الفصائل المسلحة التي تعتبرها أميركا مرتبطة بإيران.وتعتبرها أنها تشكل “تهديدًا مباشرًا لمصالحها ولأمن شركائها”، بينما بغداد ترى أن الحل يجب أن يكون “عراقيًا داخليًا”. ولا دخل لأحد من خارج العراق فيه، كما تسعى بغداد لمعرفة مدة الوجود الأميركي شرق الفرات في سوريا كَون الأمر يعنيها مباشرةً،وواشنطن لا تزال ترى في وجودها في العراق بوابة للحفاظ على نفوذها في شرقي سوريا، وبغداد لا تريد توريط العراق في النزاعات الإقليمية المتعلقة بسوريا أو إيران. وللأسف أن البعض داخل الحكومة العراقية يسعى باستمرار لبقاء شراكة محدودة مع الأميركيين أي إبقاء موطئ قدم لهم في العراق للحفاظ على الدعم الأميركي الدائم دون استفزاز إيران، الأمر الذي ستستغله واشنطن لتواصل الحضور العسكري المحدود لها، مع تحوّل مهمتها إلى التدريب والدعم اللوجستي والاستخباراتي، لكن بقاء قوات أميركية في العراق تحت أي عنوان أو شعار سيؤدي إلى تصاعد المواجهة بين الفصائل الجهادية العراقيه والقوات الأميركية،هو للضغط على الحكومة العراقية لإخراجهم جميعاً.

هذا السيناريو إن حصل قد يعيد الأمور إلى ما قبل سنة 2020 من توتر وانفجار سياسي وأمني كبيرين في العراق،

إيران بدورها تعتبر أي شراكة أميركية طويلة الأمد مع العراق تهديدًا استراتيجيًا لها،قد تدفعها للضغط على الفصائل للضغط على الحكومة لتحجيم الوجود الأميركي،وتعتبر طهران أن استمرار الوجود الأميركي في العراق يعني بقاء خطوط الإمداد مفتوحة لقوات “قسد” شرق الفرات، مما يُعقّد خطط إيران وروسيا للسيطرة الكاملة على الشمال الشرقي السوري.

أما فيما يخص لبنان فإن أي تقليص لنفوذ إيران في العراق وسوريا سيؤثر بالضرورة على حزب الله، سواء ماليًا أو لوجستيًا، وفي المقابل أي مواجهة عسكرية قد تحصل في العراق مع الأميركيين ستُستخدم ذريعة لواشنطن لتوتير جبهة الجنوب اللبناني، الأوضاع في المنطقه معقدة جداً ومتداخله بشكل كبير تحتاج الى جهود مكثفه مع التلويح بالعصا لواشنطن لكي تُخلي العراق من تواجدها العسكري واستعادة زمام المبادرة كخطوة أساسيه لإستعادة سوريا، لذلك إن الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد ليس مجرد تفاهم ثنائي، بل يُعبر عن توازنات إقليمية معقّدة، تتقاطع فيها ملفات النفوذ الإيراني، وأمن الطاقة، ومكافحة الإرهاب، والمصالح الجيوسياسية الأميركية وما ستؤول إليه الأمور لاحقًا، رهن بما إذا كان العراق قادرًا على فرض رؤيته السيادية، أم سيبقى ساحة مفتوحة لتجاذبات إقليمية لا تنتهي.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى