العراق

  • العراق يضرب الإرهاب ويحقق الأمن

     

     

    كتب رياض الفرطوسي

     

    في خطوة تعكس التخطيط الاستراتيجي لمواجهة التحديات الأمنية، أعلنت السلطات العراقية عن نجاح عملية نوعية أسفرت عن مقتل قائد بارز في تنظيم الدولة الإسلامية، يُعتقد أنه كان يتولى قيادة التنظيم في العراق وسوريا. العملية التي جاءت ضمن جهود حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لتعزيز الأمن وتحقيق الاستقرار، تمت بالتنسيق مع الولايات المتحدة، مستندة إلى معلومات استخباراتية دقيقة.

     

    ضربة استباقية: الأمن أولًا

     

    وفقاً لمصادر رسمية، قُتل عبد الله مكي مصلح الرفاعي، المعروف باسم “أبو خديجة”، في ضربة جوية أمريكية بطائرة مسيرة، أعقبتها عملية أرضية للقوات الخاصة العراقية والأمريكية في محافظة الأنبار. واعتبر السوداني هذه العملية إنجازاً مهماً ضمن خططه لترسيخ الأمن الوطني، واصفاً القائد المستهدف بأنه “واحد من أخطر الإرهابيين في العالم.”

     

    العراق: أمنٌ متماسك ورؤية إصلاحية

     

    لا تأتي هذه العملية بمعزل عن المشهد العام في العراق، حيث تعمل حكومة السوداني على تحقيق توازن دقيق بين محاربة الإرهاب وتعزيز التنمية. فمنذ توليه المنصب، اتخذ السوداني خطوات حاسمة في مجالات الإصلاح الاقتصادي والبنية التحتية، إلى جانب تعزيز جهود الأمن الوطني. وقد أتاحت هذه المقاربة للعراق استعادة زمام المبادرة في مواجهة التهديدات الأمنية دون إغفال جهود إعادة البناء والتنمية.

     

    الأمر الذي أدى إلى رفع مستوى الثقة والاطمئنان لدى المستثمرين، ونرى ازدياداً مضطرداً في القدوم إلى العراق والدخول في السوق العراقية، ورغبة المستثمرين الجامحة في الحصول على فرص للعمل في العراق.

     

    تنظيم الدولة الإسلامية: إعادة التشكل وساحات جديدة للنفوذ

     

    منذ هزيمته الجغرافية عام 2019، خسر تنظيم الدولة الإسلامية السيطرة على ما يقرب من ثلث مساحة العراق وسوريا، لكنه لم يختفِ تماماً، بل أعاد تشكيل نفسه في مناطق جديدة. خلال عام 2024، نفذ التنظيم أكثر من 300 هجوم في سوريا وحدها، ما يشير إلى محاولاته المستمرة لاستعادة تأثيره.

     

    ويعتبر الرفاعي القائد الثالث الذي يتم القضاء عليه منذ عام 2019، حيث كان له دور محوري في تنسيق العمليات بين العراق وسوريا وتركيا. ورغم أن التنظيم اعتاد تعيين قادته الجدد بسرعة، إلا أن الضربات المتتالية جعلت من الصعب عليه إعادة هيكلة قيادته بكفاءة كما كان يفعل سابقاً.

     

    إلى جانب ذلك، فإن التنظيم لم يعد محصوراً في الشرق الأوسط، حيث وسّع نفوذه إلى أكثر من عشر دول عبر ثلاث قارات، مع تركيز خاص على فرعه في أفغانستان، المعروف باسم “ولاية خراسان”، الذي تبنى عدة هجمات دامية في روسيا وإيران خلال العام الماضي.

     

    العراق الجديد: الأمن والاستقرار في المقدمة

     

    تُبرز هذه العملية أن العراق اليوم ليس مجرد ساحة للصراعات، بل دولة تمتلك رؤية واضحة لمستقبلها، حيث تعمل الحكومة على فرض سيادة القانون وتطوير مؤسسات الدولة بالتوازي مع الجهود الأمنية. وبينما تستمر عمليات مكافحة الإرهاب، يواصل السوداني تحقيق إنجازات في ملفات أخرى، مما يعكس توجهاً جديداً للعراق، قائماً على الاستقرار والإصلاح والتنمية.

  • على سبيل المقارنة _من المفترض ان يولد  حزب الله ميتا منذ تاسيسه!!!؟

     

    وفق اي معايير انتصر حزب الله..؟؟؟؟؟

    بقلم _ الخبير عباس الزيدي

    اولا_في النشأة والتأسيس

    منذ اللحظة الاولى لتاسيس حزب الله فرضت عليه حروب مفتوحة على جبهات متعددة ومختلفة داخلية وخارجية حيث وجد  الخزب نفسه امام اكثر من احتلال اسرائيلي  وامريكي ومتعدد  الجنسيات ونكسة وهزائم ونزوح فلسطيني كبير وحرب اهلية  وكان البعض يسخر ضاحكا عندما يجد عبارات التحرير والمقاومة على الجدران ويسالون عن اي احتلال  يتحدثون  وكيف يتم تاسيس مقاومة  اسلامية في بيئة معدومة وفقيرة فاقدة لهويتها فيها نشبة كبيرة من  الشيعة يعيشون الضياع  ويصعب عليهم الخصول على فرصة عمل محترمة في وسط العاصمة بيروت  ثم خصوصية  لبنان البلد المتعدد الثقافات حين كان يسمى  باريس الشرق…!!!؟؟؟؟؟

    ومع كل تلك الظروف أنطلق  حزب الله ليقود اكثر من معركة وحرب على مستوى الاعداء وبناء  مؤسساته ومعركة الوعي لبناء حواضن رصينة وبيئة يراهن  عليها •

    2_ الجغرافيا  ومساحة لبنان الصغيرة او تلك الاي تمالكها الشيعة  والتنوع الديمغرافي وعدد شيعة لبنان مقارنة بالطوائف والاديان الاخرى كانت لا تساعد حزب الله في عملية التعبئة  والتدريب والتسليح وإنشاء المخازن..الخ

    3_ لبنان باعتباره احد دول المواجهة مع الكيان الصهيوتي وهو يقع ضمن دائرة مشاريع الاستكبار  يضاف لذلك المساحة الكبيرة  التي يحتلها العدو من لبنان  مع طول  المسافة الحدودية  بين لبنان وفلسطين المحتلة تضيف عبئا كبيرا على حزب الله

    4_ الاختلاف الفكري والديني والعقائدي والايدلوجي واستثمار العدو  في تلك الموارد لزرع الفتن والمؤامرات مع كثرة العملاء جعل من الصعوبة بمكان على حزب الله  ان ينجح في عمليات التخفي والتظليل  كخزب مقاوم  خيث تغابر السرية من متطلبات  النصر والنجاح ومع ذلك نجح الحزب واستمر في صموده غابىا شتى انواع التحديات

    5_  القدرة المالية الضعيفة والموارد الشحيحة والبعد الجغرافي عن طرق الدعم التسليحي قبل استبدال  موقف سوريا ( بالمناسبة كان نظام الاسد من اشد المناوئين لحزب الله وفرض عليه حصار جائر في مراحل الحزب الاولى )•

    6_ ان اهم مايشار اليه في هذا الموضع ان حزب الله ورغم مؤامرات  الاعداء الخطيرة واساليبه الخبيثة  لم ينجرف الحزب وراء تلك المؤامرات  المؤذية وبقي محافظا  على اتجاه  بوصلته في استهداف العدو دون غيره كاظما غيظه ومؤثرا على نفسه متسلحا بقوة الايمان والصبر وحسن التوكل على الله صابرا محتسبا على ايذاء ابناء ملته وجلدته و وطنه

    ●الخلاصة  ان حزب الله ولد من رحم الموت ليحيي امة ●

    لو اسقطنا ظروف حزب الله على اكبر حركة او دولة ونظام وماتعرض له الحزب على حركة او حزب آخر _ لولد ميتا من اول لحظة ●

    ان ماتعرض له حزب الله خلال  مسيرته الظافرة والمعارك التي خاضها والانتصارات  التي حققها مقارنة مع غيره او مع امكانيات العدو وقدراته تعد ضربا من المستحيل سواء في الصمود اوالانتصار●

    لقد اثبت حزب الله انه امة لن ولم تموت ●

    وواصل الدرب والعطاء  والتمسك بطريق  ذات الشوكة وتقديم الشهداء قادة وكوادر ومجاهدين  والعض على النواجذ

    وتحقيق مالم تحققه امم وانظمة ودول  وشعوب ركع فيها العدو وكان موضع تقدير وإعجاب  العدو والصديق ●

    كان ولازال رائد في تحويل  التهديد الى نصر ●

    ومن يتوكل على الله  فهو حسبه ●

    ثانيا_ على مستوى المعارك

    1_ خاض حزب الله جميع معاركه الميدانية لوحده دون اسناد او مشاركة  قتالية  على الارض من دولة او نظام او حركة اخرى خلاف العدو

    وخرج منتصرا في جميع معاركه

    2_ لم يكن الكيان الصهوني (اسرائيل اللقيطة ) تقاتل لوحدها  بل كانت كل رؤوس الشياطين  تدعمها  بكل الوسائل وتقاتل معها على الارض  حتى بما فيها كثير من الدول العربية  والاسلامية وفي نهاية كل معركة يتم تعويض الصهاينة بمليارات الدولارات خلاف حزب الله الذي يقود معاركة مع قلة العدد وخذلان الناصر ومع ذلك يخرج بابهى الانتصارات والإنجازات  وهو يردد لاحول ولاقوة الابالله  الغلي العظيم

    هو حسبنا ونعم الوكيل وانه ناصرنا ومنه نستمد العون•

    3_ لابد من التعرض الى  الفارق الكبير  بين حزب الله وبين ماتمتلكه امريكا وبريطانيا واسرائيل واوريا وكثير من الانظمة العبرية  الموالية والمنخرطة مع المشروع الغربي ضد  امة حزب الله على  مستويات متعددة سواء المالي او العددي او التسليحي او التكنلوجي او المعلوماتي او الاستخباري او القتالي برا وبحرا وجوفضائي•

    في الحقيقة لاتوجد مقارنة او نسبة و تناسب بين الطرفين ومغ ذلك يصمد حزب الله ويخرج منتصرا تحت راية لبيك  داعي الله •

    4_خمسون عاما والحزب صامدا باسلا مغوارا  منتصرا يثبت في كل يوم وفي كل لحظة انه ابن المدرسة الكربلائية الحسينية ويخرج بعد كل نازلة منتصرا مرفوع الراس مرددا _ هيهات منا الذلة

    ثالثا_ معركة اولي الباس _طوفان الاقصى

    1_ ان ماتعرض له حزب الله في بداية الاشتباك الملحمي والاسطوري الاخير لو تعرضت له دولة او نظام  واجزم لو تعرض له تحالف جيوش

    ● لانهار في لحظاته الاولى واعلنت هزيمة هذا التحالف

    ● لم يجروء على الصمود والدليل انهيار  المانيا  بعد انزال النورماندي

    2_الخسائر التي لحقت في جيش الكيان وحالة الانهيار الداخلي والانقلابات التي تعرضت لها حكومة النتن ياهو لولا انقاذ تلك الحكومة الإسرائيلية  بالمؤامرة الروسية وسقوط الاسد

    3_ ايقاف تقدم العدو الى الليطاني رغم تعدد وسائل وأساليب العدو البرية والحوية والبحرية وأهمها الانزال يضاف لها الامكانيات الاخرى

    4_ نزول العدو  الى شروط حزب الله لايقاف الحرب في محاوله من العدو للهروب الى الامام

    بعد عدم تحقيقه لايا من اهدافه المعلنة وغير  المعلنة •

    5_  ان اهم  ماتحقق بالاضافة الى النصر الكبير هو عملية تخول الخزب بعد استشهاد قاىده وامينه الغام السيد خسن نصر الله القائد الاممي الى حزب  برمزية عالمية

    6_ علينا تذكير الاحبة ان ماتحقق من انتصار لحزب الله  بلحاظ التالي

    ● الفارق الكبير  في القدرات والامكانيات  التسليحية  والمالية والموارد البشرية القتالية

    ● الفارق التكنلوجي والجو فضائي القتالي والاستخباري

    ● ان حزب الله هو حزب وليس دولة او تحالف جيوش او محور  ومع ذلك انتصر وحقق مالم تحققه امم وانظمة في مواجهة  امريكا والناتو و بريطانيا  واسرائيل  وكثير من الانظمة العبرية

    ● ان طبيعة المقاومة بماهي _مقاومة تختلف تكتيكاتها و اساليبها القتالية فهي لا تعتمد انظمة القتال الكلاسيكية المتعارف  عليها _الجبهوية ومعارك السواتر والخنادق بل عمليات الكر والفر وحروب العصابات  التي تخصع لقواعد  خاصة

    ومع ذلك  كان لحزب الله الحظوة والخطوة والقيادة والريادة والطلقة  الاخيرة •

    هكذا اذا تجردنا  بكل نكران ذات وتاملنا بموضوعية ومهنية سنجد حزب الله حقق نصرا عظيما لايراه الا اعمى البصر والبصيرة

    صحيح ان حلاوة النصر ذابت بمرارة  الفقد للعديد من القادة والشهداء وعلى راسهم سماحة شهيدنا الاقدس السيد حسن نصر الله

    لكن علينا ان ندرك ان ضريبة وثمن الانتصار حتما باهضة •

    وان النصر لايخرج من الارض بل يؤخذ بدماء الرجال  الرجال

    وكما قال سماحته

    اننا عندما ننتصر _ ننتصر

    وعندما نستشهد_ننتصر

    انا شيعي

     

  • الواقعية السياسية في نهج الدولة العراقية: قراءة في استراتيجية الحكم والتوازن

     

    كتب رياض الفرطوسي

    في عالم متغير تموج فيه التحولات السياسية والاقتصادية، تتجلى أهمية الواقعية السياسية كخيار استراتيجي للدول التي تسعى للحفاظ على استقرارها وتعزيز مكانتها. وفي العراق، تبنت حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني هذا النهج كركيزة أساسية في إدارة الدولة، مستندةً إلى قراءة دقيقة للمواقف الداخلية والخارجية، بعمل دؤوب ومنظم يجمع بين التخطيط الاستراتيجي والتقدير الواقعي للتحديات والفرص.

     

    بين التحديات والفرص: قراءة مدروسة للواقع

     

    أدركت الحكومة العراقية الحالية أن الأحداث لا تسير وفق مسار ثابت، بل تتغير وفق معطيات سياسية واقتصادية متشابكة. ومن هذا المنطلق، انتهجت الدولة سياسة قائمة على قراءة مدروسة لكل الاحتمالات، واضعة في الاعتبار التأثيرات المباشرة وغير المباشرة على العراق، سواء داخلياً أو خارجياً. وتبرز هذه المقاربة من خلال تعاطي الحكومة مع القضايا الإقليمية والدولية بحكمة وتوازن، ساعيةً للحفاظ على سيادة العراق بعيداً عن سياسات المحاور والاستقطابات.

     

    التوازن السياسي: مفتاح الاستقرار الوطني

     

    لعل أبرز ما يميز نهج السوداني هو القدرة على تحقيق توازن سياسي بين مختلف الأطراف، داخلياً وخارجياً، وهو ما ساهم في تعزيز الاستقرار الوطني. فالحكومة عملت على تحقيق سياسة وسطية تجمع بين المصالح الوطنية والانفتاح على القوى الإقليمية والدولية، في ظل بيئة مشحونة بالصراعات والاستقطابات الحادة. وقد أتاح هذا النهج للعراق فرصة الاستمرار في مسار البناء والتنمية بعيداً عن التدخلات الخارجية التي قد تهدد استقراره.

     

    الإنجازات الاستراتيجية والبعد الواقعي للإصلاح

     

    على المستوى الداخلي، عمدت الحكومة إلى اتخاذ قرارات حقيقية ذات تأثير فعلي، انعكست على مزاج الشارع العراقي وساهمت في تحويل مسار الدولة من الأزمات المتكررة إلى تحقيق إنجازات ملموسة. لم يكن الأمر مجرد شعارات استعراضية أو خطوات دعائية، بل اعتمدت الحكومة على منهجية تقوم على النتائج الواقعية التي عززت ثقة الشعب بالحكومة.

     

    وفي هذا السياق، نجحت الدولة في تبني سياسات اقتصادية ومالية تعكس ثقل العراق في المنطقة، مستفيدةً من موارده الضخمة لضمان استدامة مشاريع البناء والتنمية. فالتخطيط السليم والتوجه نحو استثمار الثروات الوطنية بوعي ومسؤولية أسهما في تحقيق منجزات تعزز مناعة الدولة أمام التحديات الاقتصادية العالمية.

     

    العراق بين النفوذ الإقليمي والضغوط الدولية

     

    من أبرز التحديات التي واجهتها حكومة السوداني هو التعامل مع التوترات الإقليمية، خاصة بين الولايات المتحدة وإيران. وقد سعت الدولة إلى النأي بنفسها عن هذه الصراعات، مجنبة العراق أن يكون ساحة لتصفية الحسابات. إلا أن هذا الحياد الإيجابي لم يكن موقفاً سلبياً، بل جاء في إطار سياسة واعية تأخذ في الاعتبار مصالح العراق العليا وتعمل على تحقيق الاستقرار بعيدًا عن التأثيرات الخارجية.

     

    لكن هذا التوازن ليس أمراً سهلًا، إذ يواجه العراق تحديات سياسية داخلية، أبرزها التشرذم في الصف السياسي الشيعي، حيث لا يزال هناك خلافات بين القوى الشيعية في السلطة، ما يجعلها عرضة للتهديدات والاختراقات. إدراكاً لهذا الخطر، فإن نقطة القوة الحقيقية تكمن في توحيد الموقف السياسي وتقدير خطورة المرحلة، خاصة مع التحذيرات المتزايدة من قبل الإدارة الأمريكية، والتي تتطلب استجابة حازمة تستند إلى التخطيط السليم والوحدة الوطنية.

     

    في ظل ما حققته الدولة من استقرار سياسي وأمني، بات لزاماً على القوى الشيعية تجاوز حالة التشرذم والانقسام، واستثمار هذا الهدوء الاستراتيجي في تعزيز مكانتها السياسية ضمن الإطار الوطني. فالشارع العراقي، الذي بدأ يستشعر ثمار التحولات الإيجابية، يتطلع إلى وحدة سياسية تعكس نضجاً ووعياً بمصلحة العراق العليا. إن استثمار هذه المنجزات والانطلاق نحو رؤية مستقبلية تتجاوز المصالح الفئوية الضيقة، هو السبيل الوحيد لترسيخ دورهم في المشهد السياسي العراقي والإقليمي بصورة أكثر استقرارًا وتأثيراً.

     

    الواقعية السياسية: ضرورة لتعزيز سيادة الدولة

     

    إن تبني الدولة للواقعية السياسية ليس مجرد خيار، بل ضرورة تفرضها طبيعة المرحلة ومتغيرات المشهد الإقليمي والدولي. ومن هذا المنطلق، فإن القوى السياسية العراقية مطالبة بدعم هذا النهج، والعمل على ترسيخ مبادئ التنظيم والتضامن الوطني بعيداً عن المصالح الفئوية الضيقة.

     

    إن العراق اليوم أمام فرصة تاريخية للتحول إلى دولة قوية ومتماسكة، قادرة على مواجهة التحديات وتعزيز مكانتها في المنطقة. وهذا لن يتحقق إلا من خلال رؤية استراتيجية تجمع بين الحكمة السياسية والإدارة الفعالة، وهو ما بدأ يتجلى في سياسات حكومة السوداني، التي توازن بين متطلبات الداخل ومتغيرات الخارج.

     

    بين الحلم والواقع

     

    يبقى الحلم بعراق قوي ومتماسك هدفاً مشروعاً، لكن تحقيقه يتطلب التخطيط الدقيق والعمل الجاد، في ظل نهج سياسي متزن يوازن بين المصالح الوطنية والتحديات الإقليمية. الواقعية السياسية التي تبنتها الدولة ليست مجرد تكتيك مرحلي، بل استراتيجية تستوجب الدعم من جميع القوى السياسية، لتأسيس عراق قادر على مواجهة المستقبل بثقة واستقرار.

  • الامانة العامة والامين العام في حزب الله 

     

    بقلم _ الخبير عباس الزيدي

    اولا_شهد حزب الله في مرحلة السيد الشهيد الاقدس الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله_ رضوان الله عليه نقلات وقفزات كبيرة وعلى مستويات مختلفة في المسيرة الظافرة لحزب الله

    جاء ذلك استكمالا  لما حققه السيد الشهيد الأمين العام  الاسبق للحزب السيد عباس الموسوي _ رضوان الله عليه واهتمامه البالغ في مؤسسات الحزب و تحسين القدرة القتالية •

    هذه المرحلة الصعبة والمعقدة مابين مرحلة التاسيس والبناء تزامنت مع سنوات  صراع شرسة ومعقدة  مع اكثر من احتلال وعدو وعدوان •

    ان شهادة سماحة  السيد حسن نصر الله كانت مكملة للإنجاز العظيم الذي حققه خلال مسيرته الجهادية بمعنى واضح ودقيق ان تلك  الشهادة احتضنت  سماحة  السيد وتكرمت وتشرفت به من ناحية وأضافت كم غير محدود من العطاء  والإنجازات التي حفلت به حياته الشريفة •

    ولعمري ذلك شي نادر وحصري في عصرنا  الراهن

    وهذا العطاء  والانجاز  الذي تحقق في الشهادة لم يكن محصورا او حصرا على  بقعة جغرافية مثل لبنان او طائفة معينة او دين  ومذهب او خط رسالي محدد بل تجاوز  الآفاق والحدود والطوائف  والاديان والمعتقدات  السماوية والوضعية والغناوين  الايدلوجية الاخرى •

    وهنا نرى بشكل  دقيق مدى تاثر سماحته وعشقه للنهج الحسيني  ومدرسة كربلاء التي لايمكن احصاء آثارها  وثمارها وبالتالي انعكاسها على الواقع •

    ثانيا_ ان شهادة سماحة السيد وتشييعه بهذا الحظور المهيب و بمشاركة عالمية اضاف واقعا جديدا على حزب الله  ومريديه بعد القائد الاسطوري والاستثنائي والتأريخي والاممي الانساني علما ان كثير من المقربين من سماحة سيدنا وشهيدنا الاقدس يعلموا ان سماحته لم يكن يوما من الايام يعمل لأجل طائفة او لبنان فقط او لمحور المقاومة فحسب ولم يكن حكرا على ما ذكرناهم بل كان يتصدى ويقاتل الظلم و الاستكبار  ويحث على المشاركة  الميدانية مع حركات التحرر و المقاومةالعالمية •

    ثالثا_يقينا ومن خلال  مشهدية التشييع انتقلت  المواجهة  مع الاستكبار  والصهيونية  العالمية الى مرحلة  جديدة مفتوحة على  مستويات مختلفة

    سوف ترسم معالمها وقواعدها الاحداث  المقبلة على مستوى المنطقة والعالم •

    رابعا_ وهو الاهم _

    انتخب  حزب الله سماحة الشيخ نعيم  قاسم امينا عاما  لحزب الله خلفا للسيد الشهيد الهاشمي_ رضوان الله عليه و المتعارف عليه ان جميع مواقع المسؤولية في الحركات  الجهادية  هي تكليف  وليس تشريف…  !!!

    والمتحقق مابعد استشهاد سماحة السيد حسن نصر الله لم يتحقق في اي حزب او حركة  معاصرة او غير  معاصرة وتعد فريدة في التاريخ وتتمثل في العلاقة  مابين الامين العام  والأمانة  العامة •

    اليوم الامانة العامة في القرار  والتنفيذ انتقلت  الى عناصر الامة وبيئة المقاومة وحاضنتها  الشعبية في مشروع القرار  _ والقرار نفسه والاداة التنفيذية وتلك الية واسلوب نادر من الصعب ان يتكرر  بحيث عبر عن الشراكة  الحقيقية  والممارسة  الديمقراطية بطريقة عملية وسلسة بعيدا عن  كل التعقيدات  والتسويف والنفاق السياسي  لتعبر عن إرادة ومطالب عناصر  الامة•

    وهذه معجزة تضاف الى السفر الخالد  لحزب الله

    وسوف نذكر موقفين لا اكثر كدليل على ماطرح انفا…..

    1_ عمليات تحرير القرى الاخيرة  (وليست عمليات الدفاع ابان العدوان الصهيوني)  التي هب ابناء الجنوب لتحريرها في حركة شعبية مجردة  لبعض المناطق  التي  لم ينسحب منها العدو الصهيوني ومن ثم انسحابه مجبرا مهزوما امام ارادة ابناء امة حزب الله وحاضنته الشعبية •

    2_ اراء وتعبيرات وكلام ابناء الجنوب  ومواقفهم    في الزيارة الاخيرة لرئيس الحكومة اللبنانية_  نواف سلام والتي هي  بمثابة قرارات ملزمة للحكومة ورئيسها قي تحرير الارض واعادة المهجرين وعملية البناء والأعمار

    فلو تمعنا بكلام ابناء الجنوب  والمنطق  المنفرد او السياق العام والحالة والظروف  والواقع لوجدناها تمت هندستها وصياغتها على مستوى امانة عامة ينقصها صياغة وديباجة لتعبر عن بيان متكامل•

    بتعبير عفوي وشفاف ومطالب حقه  لاسترجاع الارض وتحريرها وان تطلب الامر بالقوة من العدو والتمسك بخيارالمقاومة مع التاكيد  على الثلاثية الذهبية _ تلاحم الجيش  والشعب والمقاومة والتذكير بضرورة تحمل الحكومة اللبناتية مسؤوليتها  في التصدي  للعدوان الصهيوني  بعيدا عن الاملاءات الامريكية ثم تعبير  ذوي الشهداء  بتمسكهم بهذا الخيار  _ المقاومة _ وتقديمهم لفلذات اكبادهم وابنائهم للدفاع عن لبنان دون منة بل تأكيدهم للاستعداد لتقديم المزيد من  التضحيات كواجب شرعي و اخلاقي و وطني مع تاكيدهم لرئيس الحكومةان هذا الموقف     دون خلفية سياسية..!!؟

    وهذا كلام كبير  وخطير يضع كل اصحاب القرار في لبنان  من رئاسات ومنظمات واحزاب في حرج كبير وليس حكومة نواف سلام فقط وفي ذات الوقت يكشف  عن استراتيجية  جديدة  رسمها دم  شهيدنا  وقائدنا  الاقدس  سماحة  السيد  حسن نصرالله  رضوان الله عليه

    فهل مات نصر الله … ؟؟؟؟

    ولمثل هذا فليعمل العاملون  ويتنافس المتنافسون

    نصرنا قادم

    موقفنا ثابت

    قرارنا مقاومة

  • بغداد صانعة التوازنات: نحو ريادة عربية في مرحلة التحولات

     

    كتب رياض الفرطوسي

    في قلب التحولات الكبرى التي تعصف بالمنطقة، تعود بغداد إلى الواجهة، لا كمتلقٍ للأحداث، بل كفاعل أساسي يسهم في صياغة التوازنات الإقليمية وإعادة ترتيب المشهد العربي. فمع استضافة القمة العربية في مايو المقبل، تضع العاصمة العراقية نفسها على طريق استعادة دورها التاريخي كجسر للتواصل، ومنصة لصناعة القرار، وركيزة للاستقرار في منطقة تموج بالأزمات . لم تكن السنوات الماضية سهلة على العراق، لكن رغم التحديات، استطاع أن يثبت قدرته على الصمود وإعادة بناء نفوذه السياسي إقليمياً ودولياً. واليوم، ومع تصاعد الأزمات من فلسطين إلى البحر الأحمر، ومن سوريا إلى الملف النووي الإيراني، تبدو بغداد المكان الأنسب لإطلاق رؤية عربية جديدة، رؤية تتجاوز إدارة الأزمات إلى استباقها وصياغة حلول مستدامة لها . القمة العربية القادمة في بغداد تحمل رمزية تتجاوز مجرد اجتماع سياسي؛ إنها إعلان لعودة العراق إلى دوره الطبيعي، كدولة قادرة على الجمع بين الأطراف المختلفة، وتحقيق التوازن بين القوى المتنافسة. فبفضل موقعه الجغرافي الفريد وعلاقاته المتوازنة مع مختلف القوى الدولية والإقليمية، يمتلك العراق اليوم القدرة على قيادة مبادرات التهدئة، ودفع الحلول السياسية التي تحتاجها المنطقة بشدة . لكن رهان العراق لا يقتصر على مجرد استضافة ناجحة للقمة، بل على ترسيخ دوره كدولة محورية في صياغة المستقبل العربي. فالمرحلة القادمة تتطلب قادة قادرين على تحويل التحديات إلى فرص، والعراق اليوم، وهو يستعيد استقراره الداخلي، مؤهل ليكون هذا القائد . بغداد لم تعد مجرد شاهد على التحولات، بل صانعة لها. والقمة القادمة قد تكون نقطة الانطلاق نحو مرحلة جديدة، يصبح فيها العراق ليس فقط مركزاً للحوار، بل حجر الزاوية في بناء منظومة عربية أكثر تماسكاً وتأثيراً في النظام العالمي.

  • سؤال الدولة: بين مخاوف الماضي وأوهام الهيمنة

     

    كتب رياض الفرطوسي

    منذ عام 2003، وجد شيعة السلطة في العراق أنفسهم أمام معادلة معقدة: كيف ينتقلون من فضاء التاريخ، الذي برعوا فيه تأويلًا واستحضاراً، إلى حقل الدولة، الذي يتطلب إدارة واقعية حديثة؟ لقد أثبتت التجربة أن الشيعة في العراق يجيدون السرديات، لكنهم يتعثرون أمام معادلات الحكم وبناء المؤسسات. وبينما يظل التاريخ ساحةً مفتوحةً للرموز والتفسيرات، فإن الدولة لا تقبل سوى منطق المؤسسات والعلمية والتخطيط، وهو ما لم يترسخ في وعي الطبقة السياسية الشيعية، التي وجدت في التغيير بعد 2003 فرصة للسلطة، لا للدولة. لطالما كان سؤال الدولة مؤجلًا في الوعي الشيعي السياسي، إذ لم يكن حاضراً في الأدبيات الفكرية التي صاغت رؤيتهم للسلطة. وحين ساهموا في تأسيس الدولة العراقية الحديثة، كان جلّ اهتمامهم ينصب على الرمزية السياسية، كما تمثل في دعمهم للملك الهاشمي، لا على بناء الهياكل التأسيسية للدولة. ومع سقوط نظام البعث، لم يمتلكوا تصوراً واضحاً لمفهوم الدولة الحديثة، فاستعاضوا عنه بـالشعارات، مرتكزين على خطابين متلازمين: العدو الخارجي، والقلق الداخلي . وفي ظل غياب المشروع، لم يسعَ شيعة السلطة إلى بناء المؤسسات أو تعزيز دور النخب، بل عملوا على احتكار التمثيل الداخلي، دون إدراك أن السلطة لا تعني الدولة، وأن الحكم لا يترسخ بالشعارات وحدها. وهكذا، أصبح السؤال الجوهري غائباً: كيف تبنى الدولة؟ وبدلًا من الإجابة، كانت هناك محاولات لتأجيل السؤال، عبر تكريس أزمات سياسية لا تنتهي، مما جعل البلاد تغرق في دوامة الفوضى والانقسامات . هنا تتجلى المفارقة بين الشرعية والمشروعية. فالشرعية تستند إلى القانون والدستور، أما المشروعية فتعتمد على القبول الجماهيري. ومنذ 2003، ظلّت الشرعية شكلية، بينما المشروعية غائبة، إذ إن أكثر من ثلثي العراقيين قاطعوا الانتخابات، فاقدين الثقة في العملية السياسية. غير أن السلطة وجدت في هذا العزوف فرصةً للاستمرار دون مساءلة، مستفيدةً من شكل ديمقراطي ، بينما الواقع أقرب إلى ثيوقراطية مقنعة، حيث يُنظر إلى الحكم كتكليف إلهي، لا كمسؤولية أمام الشعب . لكن حتى داخل الطيف السياسي الشيعي، هناك انقسامات فكرية حادة. إذ تتجاذبه نظريتان : اولا . الحسينية : رؤية تقوم على استحضار الماضي والثأر الرمزي، وتكريس الوعي بالمظلومية . ثانيا. المهدوية : رؤية تركز على المستقبل، وترى أن التغيير الحقيقي مرهون بانتظار الخلاص . ورغم اختلاف المنظورين، فإن الأغلبية السياسية تتبنى المقاربة الحسينية، باستثناء المدرسة الصدرية، التي تقدم قراءة مختلفة تعتمد على دور شعبي أكثر حركية. وفي ظل هذا التباين، نشأ كيان سياسي غير واضح المعالم، لا يمكن تعريفه بدقة: هل هو دولة؟ سلطة؟ انتخابات؟ ديمقراطية؟ أوليغارشية ؟ . إن بناء الدولة يتطلب احتكار التمثيل الداخلي، والتغيير من الداخل، لا مجرد استثمار في الأزمات. لكن التجربة العراقية أثبتت أن التحولات السياسية الكبرى جاءت بتدخلات خارجية، مما أفقدها القدرة على تأسيس مشروع . لذا، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: كيف نستثمر اللحظة الراهنة لصياغة مستقبل مختلف؟ إن تجاوز أزمة الحكم يتطلب إعادة تعريف الشيعية السياسية خارج ثنائية التيار والإطار، واستعادة مفهوم الدولة بوصفها مشروعاً قائماً على المؤسسات، التخطيط، والتحديث، لا ساحةً لصراعات الهويات والانقسامات التاريخية . إن التحول من سلطة الطوائف إلى دولة المؤسسات ليس مجرد خيار سياسي، بل ضرورة تاريخية. فهل يستطيع شيعة السلطة كسر عقدة الماضي وأوهام الهيمنة، وطرح سؤال الدولة بعيداً عن مخاوفهم المزمنة؟ هذا هو التحدي الذي سيحدد مستقبل العراق .

  • مرآة الهزيمة: كيف يرى المنكسر العالم؟

     

    كتب رياض الفرطوسي

    في زاويةٍ معتمةٍ من العقل، حيث تتراكم ظلال الخوف والانكسار، يولد الفكر المنكسر، متشبثاً بفكرة أن الحدث الأخير هو المصير المحتوم. يرى الحياة وكأنها مشهدٌ وحيدٌ لا يتكرر، والنهايات كأنها أحكامٌ لا رجعة فيها، متجاهلًا أن الزمن نهرٌ متدفق، لا يتوقف عند عقبةٍ واحدةٍ، بل يمضي في دورانه اللامتناهي كما يظن الطائر الذي يعلق في شباك الصياد أن السماء لن تفتح له أفقها مرة أخرى، كذلك يعتقد المنكسر أن كل خسارةٍ هي سقوطٌ أبدي، وأن العثرات مجرد قبورٍ تحفرها الأيام. ينظر إلى انعكاسه في مرآةٍ غائمة، فلا يرى إلا كدماتٍ متخيلة، متجاهلًا أن الغيوم نفسها التي تحجب الشمس قد تكون سبباً في هطول المطر، حيث تنبت الأرض من جديد إنه عقلٌ تشكَّلَ عبر الزمن وفق معايير حادةٍ للفشل والنجاح، فبات أسيراً لنظرةٍ أحادية، يرى بها لحظة الانهزام وكأنها فصل الختام، والنصر وكأنه تاجٌ لا يناله إلا المحظوظون. يراقب الحياة من بعيد، كما لو كان رهينةً في سجن أفكاره، ينتظر حكماً لا يصدر إلا من ظلال الماضي، غير مدركٍ أن الأيام كتابٌ لا تنتهي صفحاته بمعركةٍ عابرة الهزيمة ليست سقطةً نهائية، بل درسٌ يتعلمه المرء ليعيد ترتيب خطواته، كما أن النصر ليس رايةً تُرفع لمرةٍ واحدة، بل مسيرةٌ طويلةٌ من الصبر والتطور. وحده من يدرك أن الألوان تمتزج لتشكّل لوحةً متكاملة، وليس مجرد ثنائية قاتمة من الأبيض والأسود، يستطيع أن يرى في كل سقوطٍ فرصةً جديدة، وفي كل خسارةٍ نقطة انطلاقٍ أقوى مثل زهرةٍ تسقط أوراقها في الخريف، لكنها تعد نفسها للربيع القادم، كذلك يمكن للإنسان أن يعيد بناء نفسه، متجاوزاً أحكام اللحظة الواحدة. أما من استسلم لصوت الهزيمة، فسيظل في متاهة الخوف، يفسر كل نسمة ريحٍ على أنها عاصفةٌ هوجاء فهل آن الأوان لنكسر مرآة الهزيمة، وننظر إلى الحياة بعينٍ ترى ما وراء اللحظة، بعيداً عن قيود الذكريات المثقلة بالانكسارات؟.

  • أحجار على رقعة الشطرنج: كيف رسمت أمريكا مصير الشرق الأوسط.؟

     

    كتب رياض الفرطوسي

    في ظل غروب شمس الاستعمار القديم، وبزوغ فجر قوة جديدة، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية ترسم خطوطاً خفية على خريطة الشرق الأوسط، خطوطٌ ستتحول مع الزمن إلى ندوب عميقة في جسد هذه المنطقة المضطربة. كانت الأربعينيات من القرن العشرين لحظة فارقة، حيث بدأت واشنطن تدرك أن الشرق الأوسط ليس مجرد أرضٍ غنية بالنفط، بل هو رقعة شطرنج جيوسياسية، يمكن من خلالها تحقيق الهيمنة العالمية. وهكذا، بدأت رحلة أمريكا الطويلة، من دعم الانقلابات إلى الاحتلال المباشر، في سعيها لترسيخ نفوذها. لم تكن الولايات المتحدة تريد أن تكون مجرد لاعبٍ آخر في الشرق الأوسط، بل أرادت أن تكون المهندس الخفي الذي يصوغ مصير المنطقة. وكانت الجيوش العربية هي الأدوات المثالية لتحقيق هذا الهدف. في مصر، بدأت واشنطن ببناء شبكة من العلاقات مع الضباط العسكريين، الذين رأت فيهم قوة قادرة على تغيير الأنظمة لصالحها. لكن اللعبة الحقيقية بدأت في سوريا. في عام 1949، كانت سوريا تعيش حالة من الاستقرار النسبي، مع دستور ديمقراطي وبرلمان نشط. لكن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) قررت أن تلعب دوراً آخر. دعمت الانقلاب الذي قاده حسني الزعيم، والذي أطاح بالحكومة المدنية. كانت هذه الخطوة الأولى في سلسلة من الانقلابات التي ستغير وجه المنطقة. لم يكن الزعيم سوى قطعة صغيرة في لعبة أكبر، حيث بدأ النفوذ الأمريكي يحل محل النفوذ الفرنسي، وبدأت سوريا تفقد بريقها الديمقراطي. في خضم هذه التغيرات، ظهر حزب البعث كقوة واعدة، يحمل شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية. لكن حتى هذا الحزب لم يسلم من التأثير الأمريكي. يُقال إن ميشيل عفلق، أحد مؤسسي الحزب، لعب دوراً في تسهيل دخول النفوذ الأمريكي إلى المنطقة، كبديل للاستعمارين البريطاني والفرنسي. لكن الحزب، الذي بدأ كحلمٍ لتوحيد العرب، سرعان ما انقسم إلى فروع متناحرة في سوريا والعراق، وأصبح أداةً في يد القوى الخارجية. في خلفية هذه الأحداث، كان هناك رجالٌ يعملون في الظل، يحركون الخيوط بعناية. واحد من هؤلاء كان مايلز كوبلاند، ضابط المخابرات الأمريكية الذي كشف لاحقاً في كتابه “لعبة الأمم” عن كيفية تحويل الدول إلى قطع على رقعة الشطرنج. كان كوبلاند يؤمن بأن السياسة هي لعبة قذرة، وأن الغاية تبرر الوسيلة. وبالفعل، كانت الولايات المتحدة تستخدم كل الوسائل الممكنة، من الدعم المالي إلى التهديدات السرية، لضمان ولاء الأنظمة الجديدة. لم تكن سوريا وحدها هي مسرح الأحداث. في إيران، لعبت الولايات المتحدة دوراً محورياً في انقلاب عام 1953، الذي أطاح برئيس الوزراء محمد مصدق، وأعاد الشاه إلى السلطة. كان هذا الانقلاب، الذي قاده كيرميت روزفلت من CIA، لحظة حاسمة في تاريخ الشرق الأوسط. فقد أظهر أن واشنطن مستعدة لتغيير أنظمة الحكم بالكامل إذا تعارضت مع مصالحها. لكن هذا التدخل ترك إرثاً مريراً، حيث ساهم في تأجيج العداء تجاه أمريكا، والذي انفجر لاحقاً في الثورة الإسلامية عام 1979. بعد نصف قرن من الانقلابات والتدخلات السرية، قررت الولايات المتحدة أن تلعب لعبتها بشكلٍ علني. في عام 2003، قادت تحالفا دولياً لغزو العراق، تحت ذريعة القضاء على أسلحة الدمار الشامل. لكن الغزو، الذي أطاح بنظام صدام حسين، لم يحقق سوى الفوضى. تحول العراق إلى ساحة حرب طائفية. كانت هذه اللحظة بمثابة نقطة تحول في سياسة أمريكا بالمنطقة، حيث بدأت تدرك أن القوة العسكرية المباشرة قد تكون أكثر تكلفةً مما تستحق. مع تراجع الاعتماد على نفط الخليج، بفضل اكتشافات النفط الصخري، بدأت الولايات المتحدة تعيد تقييم دورها في الشرق الأوسط. لم تعد واشنطن ترى المنطقة كساحة حصرية لها، بل كساحة متعددة الأقطاب، حيث تتنافس قوى مثل روسيا والصين وإيران وتركيا على النفوذ. الصراعات المستمرة في سوريا واليمن، والتحديات الأمنية المتزايدة، أجبرت أمريكا على تبني استراتيجيات جديدة، تعتمد أكثر على الدبلوماسية والشراكات الإقليمية. من دعم الانقلابات في منتصف القرن العشرين إلى الغزو المباشر للعراق، كانت رحلة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مليئة بالدروس والعبر. لكن السؤال الذي يبقى معلقاً هو: هل تعلمت امريكا من أخطائها؟ أم أن المنطقة ستظل ساحة لتجاربها الجيوسياسية؟ اليوم، بينما تتجه واشنطن نحو سياسات أكثر حذراً، يبدو أن الشرق الأوسط يقف على مفترق طرق. فهل ستكون العقود القادمة فرصةً لبناء مستقبل أكثر استقراراً؟ أم أن المنطقة ستظل رهينةً لأحجار الشطرنج التي تحركها القوى العظمى؟ هذه ليست مجرد قصة عن السياسة أو النفوذ، بل هي قصة عن شعبٍ حُكم عليه بأن يعيش في ظل لعبةٍ لا يتحكم بقواعدها. قصةٌ تذكرنا بأن الشرق الأوسط، بكل تعقيداته، ليس مجرد رقعة شطرنج، بل هو قلب العالم النابض، الذي يستحق أكثر من أن يكون ساحةً للحروب والتدخلات.

  • أصل الصراع _الشيعةو الظرف الصعب (ازمة الشيعة في العالم )

     

    بقلم_الخبير عباس الزيدي

    اولا_ في أصل الاشكاليات

    يرى البعض ان احداث الحادي عشر من سبتمبر انتهت بهجوم على المذهب السني

    في حين اسفر طوفان الاقصى عن هجوم غير مسبوق على الشيعة

    والحقيقة تكمن لا في هذا ولا في ذاك بل في النيات المبيتة لاستهداف الاسلام المحمدي الاصيل بمذاهبه وفروعه وعقائده واصوله كمشروع يقود الحياة▪︎

    الحديث عن الظرف الصعب والازمة والهجوم غير المسبوق على الامة المستضعفة ( الشيعة )

    هو موضوع لايخضع للفلسفة بقدر ماهو يحتاج الى الفهم العقائدي وقراءة لتاريخ التشيع او الرفض ان صح التعبير منذ اللحظة الاولى بعد استشهاد الرسول الاكرم صل الله عليه واله وسلم والقضية حسب فهمي لا تتعلق بمذهب معين بل في القصة الكاملة للبحث عن عصا موسى عليه السلام والهجمات اليهودية التي طالت جميع الانبياء والرسل وماتبقى من عصارة وخلاصة الاديان التي انتهت بالرسول الاكرم و وارثيه من اهل بيت النبوة وبالتالي منقذ البشرية الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف الذي نعيش هذه الأيام ذكرى ولادته المباركة

    وهنا يتوضح ان جل مايحصل في العالم من صراع ليس صراعا أيديولوجيا وفكريا يقدر ماهو صراع ديني بحت وان حاول البعض بتأطيره بإطار مدني حضاري ورمى بسهامه نحو الاسلام واتهامه بالتعصب او نشر الاسلام فوبيا.

    والخلاصة في حروب الاديان تكمن في العقائد والقيم التي تطال كل التفاصيل الدقيقة وهنا تبرز معركة الوعي كأحد اسس المواجهة و واحدة من خطوط الصد الكبرى سواء كانت الدفاعيةاو الهجومية▪︎

    علما لكل دين او ملة منقذ سواء كانت هذه الملة موحدة او غير موحدة ويبقى المنقذ او المخلص واحد ليس اكثر •

    وبالعودة الى موضوع ازمة الشيعة فلابد من ملاحظة التالي

    1_ تم توجيه السهام للتشيع منذ اللحظة الاولى لاستشهاد الرسول عندما كانت الهجمة تستهدف التشيع ممثلا بامير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وخاصته الغر المنتجبين من الرهط الاول عمار واباذر وسلمان الفارسي والمقداد وغيرهم

    بمعنى ان التشيع عاش الازمة والظرف الصعب منذ ذلك اليوم حتى هذه اللحظة وحتى يقضي الله امرا كان مفعولا

    2_عند متابعة سيرة الائمة المعصومين من ال محمد صلوات الله عليهم اجمعين مع اختلاف العصور والدهور والحكام والطواغيت والجبابرة نرى وبوضوح تام دون لبس ان سفرهم الخالد ينسجم مع كل مرحلةدون تقاطع على قاعدة تعدد الادوار مع وحدة الهدف

    3_ من اكبر الادلة على ماتقدم هو اخراج المنظومة الفكرية والعقدية للتشيع دون تناقض او اختلاف على مستوى النص او الحديث او الرواية بل حتى على مستوى تواتر سيرة المعصومين كلا بحسبه وظرفه وزمانه

    4_ اللطيف في ذلك ومنذ الغيبة الكبرى ومنذ اخر سفير للامام وتوالي العلماء والفقهاء والمجتهدين من ولاة الامر ومراجع التقلبد ايضا لم تشهد تقاطعا او اختلافا جذريا او رايا مخالفا والاهم يكمن في المواقف حيال الازمات والظروف العصيبة بالقدر الذي اصبحت في سيرة الامام المعصوم عليه السلام منهاجا عمليا للعلماء والعرفاء في التعامل والسلوك السياسي بإطاره الفقهي الفتوائي وايضا كلا بحسب الدهر والعصر والظرف الزمكاني الي عاشه الفقيه او الولي او مرجع التقليد

    5_الامة المستضعفة..؟؟

    الواقع يقول ان الشيعة هم الامة المستضعفة بلحاظ الاية الكريمة ) ونريد ان نمن على الذينةاستضعفوا في الارض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين ) وبكل تجرد ونكران ذات سنرى جميع الباطل والشر في العالم تخندق واصطف لمحاربة التشيع فأين ما وجد الشيعة وجدت الحروب والاستهدافات والحصار والقرارات الجائرة بالضد منهم •

    الخلااصة ان التشيع او رفض الباطل من الطبيعي ان يعيش الازمة بسبب مواقفه ضد الاستكبار والطواغيت والجبابرة ومن الطبيعي أن يدفع ضريبة ذلك من تضحيات ودماء وقادة التي هي عطاءا ثرآ يؤتي باكله ولو بعد حين ▪︎

    6_ كان ولازال اللطف الإلهي والايادي الجميلة ترعى التشيع وهذا البعد الغيبي لايدركه الاعداء بل حتى بعض الشيعة في العالم

    7_ الامل _ هو الباعث والوازع الذي تخطت فيه الشيعة ازماتها وتجاوزت فيه شتى انواع الحروب والاستهدافات على مرور الزمن

    هذا الامل ورغم التضحيات الجسام كان دافعا للتصدي والصمود والإصرار والثبات وهو ليس امل طوبائي بل مستخلص من الشربعة و العقائد الحقة وهنا لابد من المرور على قضية الانتظار والاستعداد لها لكي تتحول الامة المستضعفة الى امة قادرة مقتدرة بكل الامكانيات والقدرات المطلوبة للمواجهة طيلة سنوات التمهيد والانتظار وهنا يصبح الامل باعث كبير يقفز من درجة خبر اليقين الى حق اليقين

    8_ المرونة

    لولا حنكة وحكمة المعصوم عليه السلام وعمق التكتيك الذي استخدمه لما صمدت استراتيجية التشيع حتى هذه اللحظة التي امتازت بالمرونة والمصداقية العالية

    ثانيا_ في المطلوب

    1_ من خلال ماتقدم على النخب الشيعية المثقفة ان تكتب في هذا المجال بالدرجة التي تنفتح فيها على الاخرين وتستشرف الاحداث وتضع حلول استباقية تمكنها من النفاذ دون الوقوع التشيع في زاوية حرجة او مكان صعب

    2_ نحن بحاجة ماسة الى ترجمة كثير من المفاهيم و العقائد ونشر ثقافة اهل للبيت عليهم السلام العقائدية والفكرية وحتى الفقهية لكي نؤثر في بيئة الاخرين

    فمثلا (على سبيل المثال لا للحصر ) فيما يخص عصرنا الراهن في موضوعة الملف النووي للجمهورية الإسلامية وفتوى السيد الولي اعلى الله مقامه حول السلاح النووي فان العالم الغربي وحتى العربي لايفهم هذه الفتوى ويذهب الراي العام العالمي مخدوعا بمجرد سماع مفردة ايران والنووي لذلك علينا توضيح ذلك

    ولاباس لنا في توضيح علل الشرائع حتى يفهمنا العالم خصوصا الراي العام العالمي وماذا تعني فتوى السيد الولي الققيه او مرجع التقليد ▪︎

    في مسالة الحقوق هل ترجمنا كشيعة رسالة الحقوق للامام زين العابدين عليه السلام او نفذنا مشاريع تعبوية ومهرجانات وندوات تربوية وثقافية ؟؟؟؟

    من المؤكد اننا لن لم نقوم بذلك سوف تهاجم

    والامر ينطبق على نظرة الاسلام المشرقة للمرأة التي لا زالت غائبة عن الرأي العام العالمي ▪︎

    والامر ايضا ينسحب على المقاومة وشرعيتها الوضعية والسماوية ▪︎

    3_ من يحرك من .. ؟؟

    الاليات لازالت ضعيفة في توجيه وتحقيق الانفتاح وكشف الحقائق

    هل هي النخب ام القواعد الشعبية التي تدفع وتضغط على النخب وبالتالي تنامي عملية استثمار الوعي ورص الصفوف وفي ذات الوقت الولوج الى عمق المعسكرات الاخرى ليطلع أبنائها على حقيقة التشيع المتنور والحضاري وبالتالي الاسلام الاصيل كرائد وقائد للحياة

    4_ الاعلام …!!!؟؟؟

    وهنا أضع الالاف من علامات التعجب والاستفهام

    حيث فقداننا للاعلام النوعي الهادف للذي ينشر ويكشف حقيقة المعركة والحرب التي يشنها الاستكبار على اصل الاسلام المحمدي وهذا الامر ينسحب ايضا على مراكز البحوث والدراسات التي تتحمل مسؤولية كبرى في هذه المعركة

    5_ الخلاصة اننا بحاجة ماسة وقصوى لاعادة النظر في إليات عمل جميع مؤسساتنا 6_ ان معركتنا ليست عسكرية وأمنية فقط بل لها اذرعها ومدياتها و جوانبها الاخرى مثل الاقتصادية والثقافية والسياسية . الخ

    وهناولحشر من العدو في هذه الفترة يحاول تصفيرنا سياسيا وحعلنا على الهامش

    والله الله في المحافظة على حاكمة التشيع كلا من نوقعة ولابد من مؤازرة جمهورية ايران الاسلام بكل ما اوتينا من قوة لان موقعها كالقلب من بقية الجسد الشيعي وان الدفاع عنها واجب الوجوب وهي الراية الوحيدة الان في العالم ابتي تنطق وتعلن عن حاكمية التشيع وفق القران وسيرة امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام قي الحاكمية •

    ولله الحمد نحن لازلنا في عز صمودنا وثقلنا الميداني المؤثر في العدو وبيئته

    ثالثا_ في حسابات النصر والهزيمة ▪︎

    ماسطره ابناء امة حزب الله في محور المقاومة بحاجة الى منصف يرى الامور بالمجمل بنكران ذات بل حتى على مستوى الموازين المهنية بلحاظ الفارق في الامكانيات والقدرات بيننا وبين العدو والعدة والعديد

    وحتى على مستوى النتائج وعلى مستوى البيئة سيجد اننا منتصرون رغم كل الدعاية والصخب والكذب والخداع للآلة الاعلامية وخبراء الحرب النفسية •

    ومع ذلك نحن بحاجة الى اعادة النظر في كثير من القضايا والاليات والخطط والبرامجيات لاننا نطمح للافضل واصحاب رسالة قبل ان نكون اصحاب قضية او حقوق

    نحن امة لن تموت

    نصرتا قادم

    موقفنا ثابت

    قرارنا مقاومة

  • ترامب والتلاعب بالذاكرة: محاولة فاشلة لإعادة صياغة فلسطين

     

    كتب رياض الفرطوسي

    في خضم الأزمة الفلسطينية المستمرة، خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريحات صادمة تدعو إلى تهجير أبناء غزة إلى مصر والأردن، في محاولة مكشوفة لإعادة رسم خريطة الصراع وفق رؤية تتجاهل الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني. هذه التصريحات، التي تعكس عقلية الاستعلاء السياسي والتلاعب بالمصائر الإنسانية، ليست مجرد اقتراح عابر، بل امتداد لنهج طويل يسعى إلى تصفيه القضية الفلسطينية عبر إفراغ الأرض من سكانها وتحويلها إلى ملف إنساني بدلًا من قضية تحرر وطني. لكن فلسطين ليست ورقة مساومة، وأهلها ليسوا غرباء على أرضهم، والمخططات العابثة بمستقبلهم لن تمر كما لم تمر من قبل. هذه التصريحات ليست مجرد رأي سياسي عابر، بل هي دعوة صريحة للتطهير العرقي، وانعكاس لفكر استعماري بائد يعيد إنتاج مآسي التاريخ بوقاحة غير مسبوقة. ترامب، الذي ينظر إلى العالم بعدسة رجل الأعمال لا رجل الدولة، يعتقد أن القضايا الإنسانية يمكن أن تُحَل بمنطق الصفقات والعقارات، وأن فلسطين ليست سوى مساحة يمكن تغيير معالمها بقرار رئاسي أو تفاهم سياسي. لكنه يجهل، أو يتجاهل، أن فلسطين ليست للبيع، وأن شعبها ليس سلعة يمكن نقلها من مكان إلى آخر وفق أهواء القوى الكبرى. المفارقة الكبرى في هذا المشهد أن تصريحات ترامب، بدلًا من أن تُقابل بإدانة عالمية مطلقة، تحولت إلى محور النقاش الإعلامي، فأصبح الحديث يدور حول إمكانية تهجير الفلسطينيين بدلاً من الحديث عن الاحتلال والجرائم الصهيونية المستمرة. بهذه الطريقة، نجح ترامب، ومعه ماكينة الدعاية الإسرائيلية، في إعادة توجيه الوعي، وصرف الأنظار عن القضية الأساسية نحو مسألة مفتعلة، تكرس حالة الخوف وتُغرق الفلسطينيين في معركة غير حقيقية حول “مستقبلهم”، وكأن هذا المستقبل قابل للتفاوض أصلاً. هذه الاستراتيجية ليست جديدة. فقد مارست الولايات المتحدة وإسرائيل هذا النوع من غسل الدماغ الجماعي في محطات تاريخية سابقة، حيث يتم ضخ معلومات متكررة ومضللة لتوجيه الوعي العام نحو زاوية محددة. حدث ذلك عندما روج الإعلام الغربي لفكرة أن الجيش العراقي هو خامس أقوى جيش في العالم، ليس بهدف الاعتراف بقوته، بل لدفع صدام حسين نحو قرارات كارثية أفضت إلى انهيار العراق واحتلاله. واليوم، يُعاد إنتاج نفس السيناريو مع فلسطين، عبر إغراق الذاكرة الجماعية بسرديات زائفة تجعل الفلسطيني ينشغل بقضية “الخروج” و”العودة”، بدلاً من التشبث بجذوره ومقاومة الاحتلال. ما يفعله ترامب اليوم ليس مجرد تصريحات، بل هو جزء من عملية هندسة نفسية ممنهجة تهدف إلى محو الذاكرة الجماعية وإعادة برمجتها وفق أجندات تخدم الاحتلال. في كتابها عقيدة الصدمة، تتحدث الباحثة نعومي كلاين عن مفهوم “البياض”، وهو حالة يتم فيها تفريغ العقل الجمعي من تاريخه وهويته، ثم إعادة ملئه بسردية جديدة مفروضة عليه. ترامب يمارس هذا النهج بامتياز، إذ يحاول إحداث قطيعة بين الفلسطينيين وتاريخهم، عبر تحويلهم إلى لاجئين محتملين، بدلًا من أصحاب حق تاريخي وأرض مسلوبة. ما يحدث ليس مجرد محاولة لتهجير الفلسطينيين جسدياً، بل هو محاولة لتهجير وعيهم، وسلبهم ثقتهم بحقوقهم، بحيث يصبحون أكثر قابلية للقبول بالحلول المفروضة عليهم. إنها عملية إعادة تشكيل للإدراك الجمعي، بحيث تتحول القضية الفلسطينية من قضية تحرر وطني إلى أزمة إنسانية تتطلب حلاً إغاثياً، وهذا هو الخطر الأكبر. في مواجهة هذا المخطط، لا بد من استعادة الوعي بالقضية المركزية، وعدم السماح لترامب أو غيره بإعادة تعريف فلسطين وفق مصالحهم. إن غزة ليست مجرد مساحة جغرافية، بل هي جزء من كيان فلسطيني متكامل، وصمودها ليس معزولًا عن النضال الممتد عبر الأجيال. إن المعركة الحقيقية ليست حول التهجير أو البقاء، بل حول التحرر وإنهاء الاحتلال. وعي الفلسطينيين والعرب اليوم يجب أن يكون مقاوماً لمحاولات التلاعب، صامداً أمام حملات غسل الدماغ، ومحصناً ضد الدعاية التي تحاول تفكيك القضية إلى ملفات جزئية. قد يحاول ترامب، ومعه اللوبي الصهيوني، أن يخلق ذاكرة جديدة للفلسطينيين والعرب، ذاكرة قائمة على الرعب والتهديد بالتهجير، لكنه لن ينجح. لأن الذاكرة التي تصنعها المقاومة، والتي تُكتب بالدماء والتضحيات، أقوى من أي دعاية، وأعمق من أي تلاعب سياسي. فلسطين ليست رواية يكتبها الساسة في واشنطن، وليست عقاراً يمكن بيعه أو تصفيته. فلسطين هي التاريخ الذي لم يُمحَ، والحاضر الذي لم يُهزم، والمستقبل الذي لن يكون إلا نصراً وحرية.

زر الذهاب إلى الأعلى