سورية

  • العجز الأميركي عن إنقاذ الكيان الغريق

    د. حسن أحمد حسن*

    توخّي الدقة في تناول المصطلحات أمرٌ على غاية من الأهميّة. فالمفاهيم العامة تفعل فعلها في رسم محددات طرائق التفكير، وغالباً ما يتمّ تكرار مصطلحات مفتاحية بشكل عفوي لا يأخذ بالحسبان خطورة تكرار استخدام مصطلح واستقراره على أنه من المسلمات التي تؤسس لغيرها من مفاهيم يخلط فيها السمّ بالدسم. والأمثلة كثيرة على ذلك، وأكتفي باستذكار شاهد واحد، فغالباً ما يتمّ تكرار مصطلح الدعم الأميركي للكيان الإسرائيلي، وبغضّ النظر عن حجم هذا الدعم كبيراً كان أم غير محدود أم صغيراً يبقى استخدام مصطلح «الدعم» مساهمة في إخفاء الجانب الأهمّ من الحقيقة، سواء أكان الإخفاء مقصوداً أم عفوياً، فموقف واشنطن من تل أبيب يتجاوز بأشواط موضوع الدعم والتأييد والمساندة، لأنّ واشنطن شريكة في الفعل والجريمة وليست داعمة فقط، بل يمكن القول إذا أردنا أن نكون أكثر دقة في استخدام المصطلحات: إنّ واشنطن هي الشريك الأكبر في الجرائم الإسرائيلية، وبما يفوق فعل المجرم نفسه، لسبب جوهري وواضح، فالكيان النشاز مع الأعراف الدولية وقيم المجتمع الإنساني والقانون الدولي ما كان له أن يكون على ما هو عليه من إجرام وإيغال في العدوانيّة المتوحّشة إلا بالفعل الأميركي المباشر وغير المباشر. ويكفي أنّ واشنطن تشلّ إرادة المجتمع الدولي وتفقده أيّ قدرة على الفعل والتأثير بسطوة الفيتو المرفوع سيفاً مشهراً ومسلطاً على عنق المنظمة الدولية، فكم مرة استخدمت واشنطن الفيتو لحماية تل أبيب في الأشهر التسعة الماضية؟ وكم مرة عطل الموقف الأميركي المعلن انعقاد مجلس الأمن لبحث مشروع قرار مرفوض أميركياً بشكل مسبق؟ وقد يبادر بعض هواة التحليل للقول: لا يجوز تناسي أنّ واشنطن سمحت بصدور قرارين من مجلس الأمن لوقف الحرب على غزة، وإلى أولئك نقول: ما هكذا تورد الأمور، ولا هكذا تقرأ الدلالات، فكلا القرارين الصادرين لا يدينان تل أبيب، ولا يحمّلانها المسؤوليّة عن الجرائم المرتكبة التي توصف بأنها جرائم ضدّ الإنسانية وجرائم حرب وجرائم إبادة جماعيّة وتهجير قسري ممنهج، وليس هذا فحسب، بل إنّ واشنطن نفسها هي التي سارعت للتصريح بأنّ قرار مجلس الأمن غير ملزم، وهي التي عملت لاحقاً على محاولة إلصاق التهمة بحماس وبقية الفصائل الفلسطينيّة لتحميلها مسؤولية عدم تطبيق القرار، وفي كلتا الحالتين كان واضحاً حرص واشنطن على تجنّب مرجعيّة الفصل السابع للقرارين المذكورين، أيّ إبقاء القرارين من دون فاعلية.

    الأمر الآخر الذي لا يقلّ خطورة هو تبنّي المواقف الإسرائيليّة بحرفيّتها في بقية المنابر الدوليّة، وإلصاق التهم وتوجيه التهديدات مرفوعة السقوف لكلّ مَن ينبس ببنت شفة لإدانة كيان الإجرام والتوحّش، بما في ذلك محكمة العدل الدوليّة ومحكمة الجنايات الدولية، وقس على ذلك. وإذا أضفنا إلى هذا وذاك الوجود الأميركي المباشر في مسارح العمليّات الميدانيّة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً ودبلوماسياً منذ السابع من تشرين الأول 2023 يتضح لكلّ من يودّ معرفة الحقيقة أنّ أميركا شريك كامل، ومن موقع القيادة في الحرب الدائرة على جغرافية غزة وبقية جبهات الإسناد، وعندما يرتفع صراخ نتنياهو أو غيره من المسؤولين الصهاينة بالشكوى والتذمّر من تأخر وصول شحنة ما من الأسلحة والقنابل الأكثر طاقة تدميريّة. فهذا لا يعني أنّ مواقف إدارة بايدن تضغط على حكومة نتنياهو قط، بل هو في أحد أوجهه مسرحية سيئة الإخراج والأداء، فالأفعوان الأميركي لا يؤذي فراخه قط، بل يزيد الغدة السمّية تركيزاً لتكون قاتلة لكلّ من يقترب من تلك الأفعى المستولدة القاتلة في جميع أوضاعها وأحوالها. ولعلّ من المفيد هنا التوقف عند بعض العناوين الأساسية لتوضيح الصورة، ومنها:

    *الكيان اللقيط منذ انتقال رعايته إلى الحضن الأميركي وهو بكليّته قاعدة عسكرية أميركية متقدّمة. وجغرافيّة الكيان لا تكاد تتسع لمخازن إضافية تغصّ بكلّ أنواع أسلحة القتل والفتك والتدمير الشامل والإبادة ماضياً وحاضراً، وما قد يحتاجه الكيان يصله قبل نفاد الموجود والمكدّس في ترسانته التي حدّد حزب الله أهمّ مواقعها، والتي ستتحوّل إلى أهداف مباشرة قابلة للتدمير الحتمي مع خروج الأمور عن السيطرة، وعندها يدرك العالم أنّ جغرافيّة الكيان بكليّتها مستودعات ومخازن، أو مقار ومصانع لتوزيع الموت وفرضه على الجميع، وهذه المرة ليس بإمكان تل أبيب ولا واشنطن أن تحولا دون وصول الموت إلى صناع القتل والإجرام والإبادة.

    *كلّ ما يتمّ تسويقه إعلامياً في خانة، وحقيقة ما يجري في خانة أخرى عسكرياً وسياسياً وحتى تحت عناوين إنسانيّة. والجميع يذكر المسحة الإنسانية الكاذبة التي صبغت الخطاب الأميركي عند الحديث عما أسموه «رصيف بايدن» لضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة. فماذا كانت النتيجة…؟ ما اتّضح حتى الآن اعتماد الرصيف المشؤوم لضمان تمكين جيش الاحتلال من تنفيذ مجزرة مخيم النصيرات بمشاركة أميركيّة مباشرة، ولا أظنّ الأمر يحتاج إلى تحليل معمّق لمعرفة الهدف منذ لحظة الإعلان عن المشروع. فلماذا تنفق التكاليف الباهظة لإقامة رصيف لإدخال المساعدات، وآلاف الشاحنات متوقفة على الجانب الآخر من رفح، ولا تحتاج إلا لفتح البوابة والدخول إلى غزة؟ لكن ذلك ممنوع بمباركة ومشاركة أميركيتين، وما يؤكد ذلك إقدام الاحتلال «الإسرائيلي» بتدمير منشآت معبر رفح بأسلحة وقذائف أميركية، وفوق هذا وذاك تربيت على أكتاف المجرمين واحتضانهم مع كلّ مجزرة أو جريمة مروعة يقدمون عليها.

    *عندما يعلن رئيسِ هيئةِ الأركانِ الاميركيةِ المشتركةِ الجنرال تشارلز براون العجز عن تكرار الموقف المتقدّم الذي تمّ اتخاذه عندما قرّرت إيران تنفيذ عملية «الوعد الصادق» رداً على الإجرام الإسرائيلي والتوحش الذي استهدف المبنى القنصلي للسفارة الإيرانية في دمشق، حيث تمّ استنفار الجهود الأميركية والأطلسية لاعتراض الصواريخ والمُسيّرات الإيرانية، فهذا لا يعني ترك الكيان لمواجهة قدره، أو التفرّج عليه وهو يصارع وحيداً قبل الجولة الأخيرة من حتمية زواله، بل يعني استجداء الرأي العام المساند لكيان الاحتلال ألا يطالب واشنطن بما يفوق طاقتها. فالجنرال براون ومن سبقه ومن سيأتي بعده يتمنّون ألا يستطيع طائر سنونو أن يحلق فوق الكيان إلا وفق رغبة تل أبيب، لكن الرغبات والأماني شيء والقدرة على تحقيقها شيء آخر، وقد قالها براون بوضوح إنّهم ليسوا قادرينَ على الدفاعِ عن «إسرائيل» في حربٍ شاملةٍ مع حزب الله، وهذا الموقف الرسمي المعلن من أرفع شخصية عسكرية أميركية ليس لفرك أذن تل أبيب على مواقفها، ولا لإخصاء نتنياهو بعد الرفسات المتكررة التي يوجهها وبقية أركان حكومته العنصرية المتشددة حتى إلى وليّ نعمتهم، بل لصعوبةِ صدِّ الصواريخِ التي يُطلقُها حزبُ الله عبرَ الحدود على حدّ قول رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، أيّ هناك عجز وليس عدم رغبة في المشاركة، أو تقصير في الدفاع عن استمرار الكيان اللقيط وهو يحتضر.

    خلاصة:

    العجز عن إنقاذ غريق قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة لا يعني تمنّي موته، ولا المشاركة في ذلك، بل يعني المحاولة المشروعة لتجنّب الغرق مع الغريق الذي تزداد خطورة حركاته كلما ضاقت أنفاسه، ولعلّ هذا حال أميركا والكيان الإسرائيلي، فمن يصارع الأمواج لتلافي الغرق لا يستطيع إنقاذ مَن جرفته أمواج الأعاصير إلى لجّ دوامة تبتلع من يدخلها حتى لو كان المسؤول عن أجواء تشكّلها واشتداد حركتها الدائرية التي يصعب التعامل مع تداعياتها، بل يكاد يكون مستحيلاً، ولدى الأميركي اليوم العديد من الدوامات البحرية والبرية القاتلة التي خلفتها العدوانية الأميركية في العديد من بؤر التوتر الساخنة والملتهبة في مسرح العمليات العالمي. ولعلّ هذا ما يلزم الأميركي بالاعتراف سلفاً بالعجز المسبق عن التعامل مع التداعيات، وهذا يدفع للتساؤل: إذا كان ذلك كذلك فلماذا يُصرُّ المجنَّدون الأقزام على التهويل من ويلات جهنّم التي ستفرضها تل أبيب على المنطقة؟ وإذا كان المسؤولون الصهاينة وكبار المحللين والاستراتيجيين يؤكدون على مدار الساعة في الإعلام الرسمي الإسرائيلي أنّ نتنياهو يقود الكيان إلى الانتحار، أو إلى محرقة حتمية في أيّ تصعيد محتمل، فمن حقّ المتابع العادي أن يتساءل: هل مَن يقرعون طبول الحرب، ويعملون على نشر الإشاعات الكاذبة، ومحاولة تعميم التخويف والترويع هم أكثر تصهيناً من الصهاينة أنفسهم؟

    سؤال أظنه مشروعاً ولعلّ قادمات الأيام كفيلة بإرغام جميع الأقزام ومشغليهم على ابتلاع ألسنتهم القذرة عندما يكشف هدهد المقاومة بالميدان عما ينتظر أصحاب الرؤوس الحامية والعنتريات العاجزة عن ستر عورة العجز الأميركي والإسرائيلي المشترك.

    إن غداً لناظره قريب…

    *باحث سوري متخصص بالجيوبوليتيك والدراسات الاستراتيجية.

  • الضامن التركي و دوره في النزاع السوري

     

     

     

    سمير باكير – يربط سورية و تركية حدود شائكة و طويلة تزيد عن ٩٤٠كم إضافة لاختلاط بالنسيج الاجتماعي و وجود التركمان في مناطق من الشمال السوري كأرياف حلب و الرقة و مدن عربية في الجنوب التركي كأورفة و ماردين و كلّس و غيرها لكن ما يميز العلاقات بين البلدين منذ خروج الاحتلال العثماني من سورية هو حالة من التوتر و البعد السياسي و لعل أسوأ تلك الفترات ما بعد ثمانينيات القرن الماضي و خصوصاً فترة الرئيسين سليمان دميرال و حافظ الأسد و الاتهامات التي التي كان الأتراك يكيلونها للسوريين بخصوص حزب العمال الكردستاني لكن باعتقال عبد الله أوجلان هدأت الأمور قليلاً و خاصة في السنوات الأخيرة من حكم حافظ الأسد و حدثت ثورة في العلاقات بقدوم حزب العدالة و التنمية و تسنم الرئيس إسماعيل نجدت سيزار للحكم و معه رجال المرحلة و هم عبدالله غل و رجب طيب أردوغان.

    العلاقات السورية التركية في ظل حكومتي بشار الأسد و العدالة و التنمية:

    كان بشار الأسد الرئيس السوري الشاب القادم على إرث حكومة حافظ الأسد و التي تضم مجموعة من المحاربين القدامى المتحفظين على أي تغيير في السياستين الداخلية و الخارجية شجاعاً و منفتحاً فتحدى كل الرؤى السياسية و الأمنية لأجهزته و تقارب مع الأتراك فاتحاً لهم أبواب دمشق على مصراعيها بعلاقات متميزة عنوانها السلام و حسن الجوار و العلاقات السياسية و التجارية البناءة و تنامت العلاقات الثنائية شيئاً فشيئاً حتى أصبحت مثالاً و أنموذجاً لعلاقات حسن الجوار و لكن كان الساسة السوريون يسيرون للامام بحذر و رويّة لكونهم يعلمون السياسة التركية و يعرفونها جيداً و ليسوا مطمئنين للعلاقات الثنائية حتى سقطت هذه الصداقة و انهارت أمام أول امتحان للثقة بين الطرفين بحيث ظهرت الطبيعة الإخوانية للحكومة التركية في بدايات الأحداث السورية عام ٢٠١١م و ذلك من خلال التصريحات التي أطلقها كل من الرئيس رجب طيب أردوغان و وزير خارجيته داود اوغلو و التي تلاها التدخل التركي المباشر في سورية.

    الدور التركي في الصراع السوري:

    دخل الأتراك المعركة ضد الحكومة السورية الشرعية المنتخبة بقوة و ضوح نهاراً جهاراً و ذلك من خلال تدريب المسلحين الأجانب و الإرهابيين من أكثر من ٣٠دولة و زجهم في الساحة السورية التي تغمرها الفوضى و الدماء بحجة دعم ما يسمى “بالثورة” في ظل تيار الربيع العربي الذي تم حرف مساره بفعل اجهزة استخبارات عربية و إقليمية و غربية ليتحول من أمل للشعوب المكبوتة إلى مصيبة تهدد الأمن القومي العربي و الوجود العربي برمته. فتحت تركية الحدود من إدلب غرباً و حتى تل أبيض شرقاً بينما حافظت على حدود جنديرس و عفرين و عين العرب و رأس العين مغلقة بقوة و هي مناطق كردية و كانت حجة الأتراك هو الحالة الإنسانية و اللاجئين المجتمعين على الحدود الجنوبية و أن الجيش السوري على وشك القيام بإبادة جماعية لشعبه و أهله و كانت هذه الرواية مدعومة من المكنات الإعلامية العربية و العالمية بينما تحت ستار دخول اللاجئين من الحدود المفتوحة دخل آلاف الإرهابيين الراديكاليين من تركية بأمر  و تعاون من المخابرات التركية و الوثائق الاستخباراتية تثبت مطلقاً ضلوع المخابرات التركية و جهات أخرى عربية في استقطاب و تدريب و إدخال المسلحين إلى شمال مدينة حلب و انطلاق مجاميع إرهابية كأحرار الشام و جبهة النصرة و الحزب التركستاني و من ثم تنظيم داعش الإرهابي و الأسوأ سمعة في التاريخ المعاصر.  معسكرات جنوب كلس و الريحانية و التي انطلقت منها قوات لواء    التوحيد و اسقطت حلب بيد الإرهابيين و أتت على الصناعة في مدينتها و تم نهب خيرات المدينة و معملها و نقلها للمدن الصناعية في مرسين و هاتاي و غازي عنتاب و غيرها من  خلال وعود و تسهيلات أعطاها الأتراك للتجار السوريين الذين يديرون اليوم معاملهم هناك بعد حصول عدد منهم على الجنسية التركية و بهذا ضربت تركية العصب الإقتصادي لسورية و هو مدينة حلب التي يعرفها العالم كله.

    أما معركة إدلب و دخول الجيش التركي مع مسلحي النصرة بشكل مباشر و اسقاط المدينة لتقع في أيادي الإرهاب و تتحول لإمارة إسلامية مرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي من خلال تصريحات أميرها الجولاني الذي يفعل اليوم بإدلب و أهلها ما يندى له الجبين و بمظلة تركية مباشرة و دعم تركي مطلق من خلال معبر باب الهوى الشريان الأهم بين البلدين و تسويق إمارة إدلب إقليمياً و دعمها المباشر. و أثبتت المعركة معرفة الأتراك بتفاصيل مهمة في الداخل السوري عسكرياً و إجتماعياً و أثبتت الحرب أن فترة التقارب بين البلدين في العقد الأول من القرن الواحد و العشرين كانت خلالها المخابرات التركية ناشطةً بشكل كبير في الأراضي السورية و على معلومات كافية عن الداخل السوري لاسيما المناطق الشمالية السورية.

    دور تركية الضامن الثالث و حامي المعارضة السورية:

    تسير العملية السياسية السورية ببطء و هدوء يعطلها   الأحداث الدولية و الإقليمية بينما يضمن الروس و الإيرانيون و الأتراك سير العملية كل عن حليفه و أصدقائه و ينشط الإيرانيون و الروس في مناطق مختلفة من سورية من خلال قواعد انتشارهم في مناطق ساخنة بالتنسيق مع الحكومة السورية الشرعية دون أي تدخل اجتماعي أو أنشطة مشبوهة رغم نشاط الإيرانيين ثقافياً بشكل ناعم لكنه بالمجمل يحترم قواعد اللعبة و الخطوط الحمراء الحكومية و الديموغرافية السورية التي هناك توجيهات من المرشد الأعلى للثورة بحفظها كما هي دون  الإخلال بالنسيج الإجتماعي السوري. أما الضامن التركي فقد تخطى دوره كضامن للعملية و تحول لمحتلٍ للبلاد بكل وضوح حيث تفرض تركية اليوم وجودها العسكري في شمال سورية و تروّج للغة التركية و ذلك من خلال تغيير أسماء المجموعات المسلحة و الشوارع و المدارس و حتى الحدائق بأسماء تركية كلواء السلطان مراد و سليمان شاه و لواء الفاتح و غيرهم و حديقة الأمة التركية في أعزاز بريف حلب و شوارع بأسماء جنود أتراك في الباب و مارع و الراعي.  الكتابات التركية تغطي جدران المؤسسات و المدارس و المدن و صور أتاتورك و أردوغان تنتشر في مكاتب المسؤولين السوريين في الشمال و لا يكاد يظهر علم الانتداب الفرنسي إلا و بجواره علماً تركياً و المئات من زيارات وزراء الداخلية و الصحة و الخارجية و غيرهم في خرق واضح للقانون الدولي  و السيادة السوري و الأعراف الدبلوماسية و أما الولاة الأتراك فزياراتهم للشمال السوري شبه يومية دون أي خجل أو اعتبار و أما العملة التي يتداولها اليوم الشعب السوري هناك فهي الليرة التركية و الكتابة و نظام المراسلات الوظيفية و الإدارية كلها باللغة التركية و يشترط أي إعلان لتوظيف أي مواطن سوري هناك معرفته بالقراءة و الكتابة باللغة التركية و هي إشارة واضحة لاجبار الشباب لتعلم اللغة التركية من أجل حصولهم على فرصة عمل محترمة و هذه السياسات تؤكد قانونياً و سياسياً أن الوجود التركي في الشمال هو احتلال مطلق بكل المعايير القانونية من خلال فرض اللغة و العلم و العملة و هل بعد هذا دليل؟! فكيف تقبل الحكومة السورية و  الضامنَين الروسي و الإيراني بهذا الدور و هذا خيانة لسورية و لتضحيات شعبها. حاول الأتراك أيضاً السيطرة على العرب هناك و استرضائهم و هم الأكثرية المطلقة في الشمال مع أقليات كردية و تركمانية. فالتركمان هم سادة الموقف و المتحكمين بالتفاصيل الأمنية و العسكرية و الإقتصادية مثل رئيس ما يسمى الحكومة السورية المؤقتة التركماني و رؤساء ألوية المسلحين كفهيم عيسى و غيرهم. أما العرب فقد تعايشوا مع الوجود التركي على مضض و من باب المصالح ليس إلا و بالنسبة للأكراد فقد أطلق التركي العنان للمسلحين لتهجير الكرد من قراهم و مناطقهم و مصادرة أرضهم  و بيوتهم و وصلت بعض التجاوزات للاغتصاب و القتل دون أي تعليق من الجانب التركي.

    الدور التركي في تعطيل التسوية السورية:

    هاجر ملايين السوريين بلدهم إلى تركيا و لبنان و الأردن و أوروبا و يعانون الغربة و العنصرية و سوء المعاملة في بلدان مختلفة لكن العملية السياسية و اللجنة الدستورية لم تحرز أي تقدم بعض سنوات من انطلاقها و لا تزال تركية تعاند و تعطل العمل متمسكةً ببقايا المعارضة كشماعة لتعطيل الحل أو تأخيره على الأقل بينما يعاني السوريون أسوء الظروف من الفقر و الجريمة و انتشار المخدرات في الشمال السوري. آلاف الخيم تفترش الأراضي الجبلية أو الزراعية في الشمال و تفتقر لأدنى مقومات الحياة من مياه و كهرباء و سقف يقيهم حر الصيف و قرّ الشتاء و قد جرفت السيول المئات من الخيام في كل عام لكن دون أي اهتمام من المجتمع الدولي أو الضامن التركي. الآلاف من الأطفال محرومون من التعليم و الصحة و الأمان و انتشار السلاح المنفلت في الشوارع و البيوت و هشاشة المنظومة الأمنية و البنية المؤسساتية و الاقتتال بين الفصائل بين الفينة و الأخرى و الإحباط المطلق الذي دمر الشباب ساعد في انتشار حبوب الكبتاغون و الإتش بوز في الشمال السوري و اعتادها الآلاف من الشباب و الأطفال و النساء في ظل غياب فرص التعليم و العمل و أن الشهادات الدراسية التي يحصل عليها الطلاب هناك لا تساوي قيمة الحبر الذي طبعت به و لا تغني و لا تسمن من جوع. لقد تم تدمير جيل كامل من شباب سورية هناك في الشمال و هو الجيل الذي فتح عينيه على الدنيا في مدنٕ يحكمها الإرهاب و مبر على مجتمع مدمّر و فوضى سلاح و خطف و اغتيالات و سطو و قتل و تشريد و ظلم و نقص في الأموال و الفرص و بطالة مرعبة و انتشارٍ للمخدرات بينما يصور الأتراك الشمال أنه جنة غنَّاء وارفة تحكمها الحرية و الإخاء و العدل و السلام و المحبة و كأنها مدينة أفلاطون الفاضلة بينما يعلم الجميع مدى المشكلات الإجتماعية  و مخاطرها في ظل التغيير الديموغرافي الذي مارسه الأتراك هناك فأي جريمة و أي دور و أي ضمان مارسه الاحتلال التركي في الشمال في تواطؤٍ عربي و صمتٍ غربي.

    أما آن لتركية الدولة الجارة لسورية أن تعي ما فعلته في سورية و شعبها ألم تقامر تركية بأمنها القومي و الداخلي من خلال فتح حدودها، ألم تنعكس اللعبة على الأتراك و على بعد ثلاثين كيلو متراً من جنوب تركية ينشأ كانتون كردي إرهابي يهدد أمن تركية و وحدتها الوطنية و لا ندري ماذا تخبئ الأيام لتركية و الزمان كما يقول السوريون دوّار. فلماذا لا يترك الأتراك سورية لأهلها و شعبها ليتفقوا على دستور و قانون جديد و يقدموه للاستفتاء العام بعيداً عن التدخلات الخارجية و يقرر السويون مصيرهم بأيديهم و يلملموا جراحهم و الزمان كفيل بطي صفحات الماضي بين أبناء الشعب الواحد. 

    طبعاً لا يخفى على أحد ما نسمعه اليوم من وساطة عراقية بين سورية و تركية و لقاءات تركية سورية في الباب و حميميم و بغداد و أنباء عن تقاربٍ بين البلدين لكن على الأسد أن يكون واعياً للخطوة التي يخطوها و هو الذي خطى خطوةً مماثلة في بداية حكمه و طوى صفحة الماضي مع الأتراك فهل يستطيع الأسد الآن طي صفحة ١٣ عاماً من الخيانة و الاحتلال و الدماء التي كان الأتراك عرابوها و قادتها فلا سلام بلا أرض و لا تنازل عن دماء الشهداء و كيف يسامح السوريون تركيا التي غاصت قوائمها في بحر الدماء السورية و لا أظن السوريين يرضَون فهل يرضى الأسد؟!

  • لماذا يتابع المسؤولون الصهاينة خطابات سماحة السيد نصر الله؟

    بقلم د. حسن أحمد حسن

    عندما يتصدر خطاب سماحة السيد حسن نصر الله اهتمام وسائل الإعلام الصديقة والمعادية المرئية منها أو المقروءة والمسموعة، وتغص المواقع الإخبارية الإلكترونية بالدراسات والقراءات المكرسة لتحليل المضمون والوقوف عند الدلالات والمعاني والرسائل فهذا يعني الاعتراف العلني والرسمي بالمكانة العليا التي تبوأتها المقاومة، وفرضت على الجميع الإقرار بأهميتها، وضرورة وضعها باستمرار على الطاولة في كل مفصل من مفاصل صنع القرار الإستراتيجي الذي يمكن أن يعتمده هذا الطرف أو ذاك، وبخاصة في مثل هذه الظروف الحساسة التي تعيشها المنطقة، والتي يكاد العالم يحبس أنفاسه أمام هول ما قد يؤدي إليه انفجار الأوضاع وخروجها عن السيطرة، وهذا أمر متوقع الحدوث، فعندما تزداد التحشدات العسكرية وتتشابك مدخلات الصورة الميدانية تصبح الأمور مرشحة لنشوب الحرب وامتداد ألسنة لهيبها حتى لو لم تكن الأطراف التي قامت بالتحشيد راغبة بالذهاب إلى الحرب، واستناداً إلى التجارب السابقة للحروب التي تشرف واشنطن على مسارح عملياتها، أو تتدخل بشكل مباشر فيها يمكن القول: إن الرأي العام العالمي آخر ما قد تفكر به الإدارات الأمريكية إذا كانت النتيجة المأمولة من هذه الحرب أو تلك مضمونة النتائج، لكن الخشية من إمكانية الوصول إلى نتائج متناقضة مع المصالح الأمريكية ومع الأهداف التي يتم وضعها ترغم مفاصل صنع القرار الأمريكي على التردد والمماطلة وإطالة أمد الواقع المتشكل لعلها تستطيع مع مرور الوقت تجيير التطورات بما يخدم مصالحها العدوانية المتناقضة بالضرورة مع مصالح أي طرف يرفض الإذعان التام للإرادة الأمريكية المكرسة لخدمة مصالح الكيان المؤقت في هذه المنطقة الجيوستراتيجية من العالم.

    إن حمى التخبط والضبابية التي تحكمت بمخرجات الإعلام الإسرائيلي بعد خطاب سماحة السيد نصر الله في تأبين الحاج القائد أبو طالب بتاريخ 19/6/2024م. تؤكد العجز عن اتخاذ القرار لوضع خاتمة لهذا الفصل الجديد من الحرب المفتوحة والمركبة التي دخلتها المنطقة منذ السابع من تشرين الأول 2023م، فلا القرار بالتصعيد مضمون النتائج، ولا القرار بالنزول عن الشجرة يساعد على ابتلاع التداعيات الإستراتيجية الحتمية المترافقة بتبلور الانكسار فور الإعلان عن الرغبة بالجنوح للتهدئة، وهذا يتطلب التوقف عند العديد من النقاط التي فرضها الخطاب على الجميع، ومنها:

    • من حق المتابع العادي أن يتساءل: لماذا يتابع قادة الكيان الإسرائيلي ومسؤولوه السياسيون والعسكريون والأمنيون والإعلاميون خطابات سماحة السيد نصر الله بمثل هذا المستوى من الاهتمام لولا أنهم يخشون القادم من الأيام، ومرد الخشية لا يعود لتفوق في القوى والوسائط لدى المقاومة، ولا لتراجع الدعم الأمريكي والغربي لحكومة نتنياهو، بل لأن النتائج النهائية مجهولة لديهم حتى بمعالمها الرئيسة، وهذا يعني تلقائياً عدم الثقة الكافية بالنفس، والتشكيك بالجدوى العملية المضمونة للقدرات الذاتية والداعمة على الرغم من الجبروت العسكري الأمريكي الشريك في أي اشتباك تكون فيه تل أبيب طرفاً.

    • عدم الثقة بالنفس والخوف من المجهول يشكل بداية انكسار الإرادة، ومن المسلم به أن الحرب بكليتها مكاسرة إرادات، والدخول بمرحلة عدم اليقين يعني بداية كي الوعي المعادي لدى القادة والمتزعمين، فما بالك ببقية الشرائح المنقسمة والمتشظية على ذاتها، ومع غيرها من مكونات الرأي العام الذي أصبحت خطابات قادة المقاومة أحد أهم العوامل المؤثرة في تشكله وتحديد اتجاهات تطوره المحتملة.

    • الأمر الآخر الذي يدفع المسؤولين الصهاينة لمتابعة خطابات سماحة السيد يتجسد بالمصداقية المرافقة لجميع إطلالات سماحته، وقرن القول بالعمل بعيداً عن إطلاق تهديد خارج قدرة المقاومة، وبالتالي تصبح المتابعة وسيلة من وسائل قياس قوة العدو، أي “حزب الله”، وبوابة لاستقراء الممكن من الخطوات اللاحقة والقرارات التي قد تتخذها المقاومة، ومن المهم الإشارة هنا إلى سذاجة التفكير الإسرائيلي، فسماحة السيد هو سيد الجمع بين المصداقية والحرب النفسية، وبالتالي هو الأمهر على إصابة الروح المعنوية المعادية بانهيار موضوعي يستند إلى مصداقيته، وهم ملزمون بالمتابعة، أي بالمشاركة في انهيار الروح المعنوية لدى الداخل المعادي.

    • القدرة الفائقة على استعراض الأبعاد الإستراتيجية استناداً إلى حقائق الواقع المتشكل ومعطياته، ومن المهم هنا الإشارة هنا إلى بعض مرتسمات ذلك، ومن أهمها:

    1- فشل ما أسماه جنرالات تل أبيب “المعركة بين الحروب” فعلى امتداد السنوات الماضية والعدو الإسرائيلي كان يضرب ما يعتقد أنه قوافل نقل سلاح وتكنولوجيا وإمكانات المقاومة في لبنان عبر الأراضي السورية، واليوم وبعد ثمانية أشهر ونيف وجبهة الجنوب اللبناني مع شمال فلسطين المحتلة تقول للعدو الإسرائيلي: (كل المعركة بين الحروب التي خضتها خلال السنوات الماضية ‏كانت فاشلة، كل ما كان يجب أن يصل إلى لبنان وصل إلى لبنان).

    2- لا يكتفي سماحة السيد بالقول: كل ما كان يجب أن يصل إلى لبنان وصل، بل يفصل في مضامين ذلك، ويؤكد بالبراهين الدامغة التي لا تقبل النقض ولا التشكيك بالمصداقية التامة، والميدان المشتعل هو الشاهد، فالمقاومة فعلاً قاتلت بجزء من سلاحها، وليس بكل سلاحها، والمقاومة استلمت أنواعاً جديدة من السلاح سيعرفها العدو عندما تندلع جهنم الحرب الكبرى، والمقاومة طورت بعض أسلحتها من خلال تجربة الميدان، واستخدمت بعض الجديد مما لم تستخدمه في السابق وبالتدريج، والمقاومة لديها وفرة كبيرة من الطائرات المسيرة التي تصنعها في لبنان، كما تصنع ما تحتاجه من صواريخ.

    3- بالتكامل مع الفقرة السابقة جاء حديث سماحة السيد عن تعاطي حزب الله كمقاومة حتى مع أسوأ الاحتمالات، والعدو (العدو يَعرف جيداً أننا حضرنا أنفسنا لأصعب الأيام، والعدو يعرف جيداً ما ينتظره ولذلك كان مردوعا 9 أشهر)، ويضيف سماحته أنه (لن يكون هناك مكان في الكيان بمنأى عن صواريخنا ومسيراتنا، وليس قصفاً عشوائياً، كل صاروخ هدف، كل مسيرة هدف، والدليل الهدهد، هو يعرف أن لدينا بنك اهداف كامل وحقيقي ولدينا القدرة على الوصول الى هذه الأهداف مما يزعزع أسس الكيان…).

    4- هذا الكلام مرتبط بما تم عرضه من قبل حزب الله عبر ما يعرف بفيديو الهدهد الذي تضمن صوراً عالية الدقة لحيفا وما حولها، بما في ذلك أهم الأهداف الإستراتيجية العسكرية منها والخدمية والاقتصادية، وعندما يقول سماحته أن كل صاروخ هدف وكل مسيرة هدف، فهذا يعني أنه تم تجهيز ما يلزم من صواريخ ذات الدقة العالية الكفيلة بإخراج كل الأهداف التي تم استعراضها وتحييدها في الساعات الأولى لأية حماقة قد يقدم عليها حكام تل أبيب، ولكي يستوطن الخوف والرعب أكثر في قلوب كل المسؤولين والمستوطنين الصهاينة يوضح سماحة السيد أن ما تم عرضه في الفيديو الذي تم بثه هو غيض من فيض، وأن لدى المقاومة (ساعات طويلة عن تصوير حيفا وجوار حيفا وما قبل حيفا وما ‏بعد حيفا وما بعد ما بعد حيفا، فليذهب الآن وينفّذ الإجراءات التي يريدها فلا مشكلة).

    5- القدرات البحرية للمقاومة في البحر ظهرت طلائعها في حرب تموز وآب 2006عندما أشار سماحة السيد في خطاب مباشر إلى سفينة ساعر لحظة إصابتها بصاروخ المقاومة، وما تركته تلك اللقطات من كي للوعي الجمعي الاستيطاني المعادي هي اليوم أضعاف ما كانت عليه، وعلى العدو أن ينتظر ما لا يسره من المقاومة في البر والبحر والجو، وفيما يتعلق بالبحر المتوسط فمع فتح الحرب في لبنان (موضوع البحر المتوسط يصبح مختلفاً تماما، كل سواحله وشواطئه وكل موانئه، وكل بواخره وسفنه، وهو يعرف أنه ليس قادراً أن يدافع عن كيانه، هذا الجيش غير قادر أمام معركة بهذا الحجم)، فحديث سماحة السيد يوحي بالقدرة التامة على إغلاق البحر المتوسط من منطقة التقائه بالمحيط الأطلسي إلى شواطئه الشرقية، وهذا يعني أن كل الشواطئ الجنوبية الأوربية مع المتوسط مهددة بالإغلاق، وكل الحوض الشرقي ضمن المدى المجدي لبعض ما تمتلكه المقاومة من أسلحة، وإذا أغلقت الشواطئ الشرقية للمتوسط بالتزامن مع إغلاق البحر الأحمر وبحر العرب، فهذا يعني خنق الكيان إلا عبر الجسور الجوية التي لن تكون كافية للحفاظ على حياة الغدة السرطانية، وبخاصة إذا طال أمد الحرب الكبرى في حال اندلاعها، وقد حذر سماحة السيد بأنه (اذا فرضت الحرب على لبنان فإن المقاومة ستقاتل بلا ضوابط وبلا قواعد وبلا أسقف، وهو أيضا يعلم ويعلم سيده الأميركي أن شن الحرب على لبنان ماذا ستكون تداعياتها في المنطقة وعلى مستوى الإقليم ككل).

    6- أمام حرب بلا حدود ولا ضوابط ولا أسقف يصبح الحديث عن الخشية من اقتحام المقاومة للجليل تفصيلاً صغيراً، وفي جميع الأحوال هذا الاحتمال (يبقى قائماً وحاضراً في إطار اي حرب قد تفرض على لبنان).

    كل ما ذكر لا يعدو أن يكون عناوين رئيسة ونقاط ارتكاز يمكن لكل المحللين والباحثين استحضارها واعتمادها فيما يكتب من دراسات وقراءات تحليلية مقياساً موضوعياً تم التأكد من صحته ومصداقية نتائجه، وليس أمام أي عدو إلا أن يسلم بحقيقة تدحرج الأمور ضمن الحدود الذي رسمها خطاب سماحة السيد، كما أن من حق أي صديق أن يستند إلى ذلك للانتقال من الطمأنينة إلى اليقين بحتمية النصر القادم، وإن تعددت فصول المواجهة، وتشابكت مسارح العمليات، فالطريق واضحة والأضواء الكاشفة مسلطة بشدة على ما يسعى أطراف العدوان لإبقائه مظلما وبعيداً عن التداول العام، لكن في كل مرة يطل فيها سماحة السيد يسقط بخطابه كل الأقنعة والسواتر والحجب دفعة واحدة، وليس أمام من يتحكم بضبط إيقاع حكام تل أبيب إلا إلزامهم بالتعامل مع الواقعية الميدانية والسياسية والإعلامية التي فرضها محور المقاومة، ولن يفيد أولئك العناد والمكابرة ونكران تجرع حنظل الهزيمة التي بدأت فصولها تتسارع، وهناك العديد من أنصار نهج المقاومة يتمنون ويتشوقون لرؤية إقدام أصحاب الرؤوس الحامية في واشنطن وتل أبيب على حماقة أو مقامرة كفيلة ببلورة تصريحات مسؤول الخدمات الدينية الإسرائيلية، وقوله: “نجهز أنفسنا لسيناريوهات دفن جماعي في حال قامت حرب واسعة مع جنوب لبنان”.

  • *الذكاء الاصطناعي ( Artificial Intelligence) ما له وما عليه

    د . محمد رقية

    كتب الكثير عن الذكاء الاصطناعي الذي نراه أمام أعيننا بعضه موضوعي وبعضه أسطوري  وهناك تعريفات عديدة له ولكن نوجز في هذا المقال ونقول إن الذكاء الاصطناعي هو الذكاء الذي تُبديه الآلات والبرامج بما يُحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، مثل القدرة على التعلم والاستنتاج وردود الفعل على أوضاع لم تُبرمج في الآلة ومن خلاله يُمكن صنع حواسيب وبرامج قادرة على اتخاذ سلوك وتفكير بشري.
    وهناك ثلاثة أنواع رئيسية من الذكاء الاصطناعي وفق قوتها:
    — الذكاء الاصطناعي الضعيف، الذي يركز على مهمة واحدة.
    — الذكاء الاصطناعي القوي، الذي يمكنه فهم وتعلم أي مهمة فكرية يستطيع الإنسان القيام بها.
    — الذكاء الاصطناعي الفائق القوة، الذي يتفوق على الذكاء البشري ويمكنه أداء أي مهمة بشكل أفضل من الإنسان وهذا ما يتم الطموح إليه.
    لقد بدأ الذكاء الاصطناعي  كمجال بحثي في الخمسينيات من القرن العشرين، مع العمل الرائد لعلماء مثل آلان تورينغ ، الذي طرح في عام ١٩٥٠  فكرة أن الآلات يمكن أن تفكر وقدم “اختبار تورينغ” كطريقة لقياس ذكاء الآلات.
    في عام 1956، شهدت جامعة دارتموث مؤتمراً علمياً ، حيث طرح تورينغ  استخدام مصطلح “الذكاء الاصطناعي” لأول مرة، والذي أشار إلى الهدف من إنشاء “آلات تستخدم اللغة، وتضع الفروض، وتحل المشكلات التي كانت مقتصرة  في السابق على البشر”.
    منذ ذلك الحين، مر الذكاء الاصطناعي بعدة فترات من التفاؤل العالي والإحباط،  حيث تذبذب الدعم والتمويل للبحث في هذا المجال. ولكن، منذ أوائل القرن الواحد والعشرين، شهد الذكاء الاصطناعي طفرة كبيرة بفضل التقدم في قوة الحوسبة، وتوفر كميات هائلة من البيانات، وتطور الخوارزميات، خاصةً في مجالات التعلم العميق والشبكات العصبونية.
    حيث تشكل شبكات التعليم العميق العصبونية جوهر تقنيات الذكاء الاصطناعي. إنها تحاكي المعالجة التي تحدث في الدماغ البشري. حيث يحتوي الدماغ على ملايين الخلايا العصبية التي تعمل معاً لمعالجة المعلومات وتحليلها.
    تستخدم شبكات التعليم العميق العصبونية خلايا عصبية اصطناعية تعالج المعلومات معاً. حيث تستخدم كل خلية عصبية اصطناعية عدة، عمليات حسابية رياضية لمعالجة المعلومات وحل المشكلات المعقدة. يُمكن لنهج التعليم العميق هذا حل المشكلات أو أتمتة المهام التي تتطلب عادةً ذكاءً بشرياً.
    آفاق الذكاء الصناعي
    للذكاء الاصطناعي آفاق واسعة ومتنوعة، تشمل:
    ١- الرعاية الصحية:
    تحسين تشخيص الأمراض والعلاجات وإدارة المرضى من خلال تحليل البيانات الصحية الكبيرة.
    ٢-النقل: تطوير المركبات ذاتية القيادة التي يمكن أن تحسن السلامة وكفاءة النقل.
    ٣- التصنيع: استخدام الأتمتة والروبوتات لتحسين الكفاءة وتقليل التكاليف.
    ٤- التعليم: تخصيص التعلم بناءً على احتياجات وقدرات الطالب الفردية.
    ٥- البيئة والمناخ: تحليل البيانات البيئية الكبيرة لتحسين فهمنا للتغيرات المناخية والبيئية وسبل معالجتها.
    ٦- الأمن: تعزيز الأمن السيبراني والدفاع من خلال الكشف السريع عن التهديدات والاستجابة لها.
    ٧-  الحروب: استخداماته واسعة في الحروب براً وبحراً وجواً وفضاء.
    ويتميز الذكاء الاصطناعي بعدة مزايا أهمها:
    — التغلب على المشكلات المعقدة
    — زيادة كفاءة الأعمال من خلال العمل على مدار الساعة من دون انخفاض معدلات الأداء.
    — اتخاذ قرارات أكثر سرعة وذكاء.
    — أتمتة عمليات الأعمال وزيادة الكفاءة التشغيلية.
    التحديات والآثار السلبية المحتملة للذكاء الاصطناعي
    على الرغم من الآفاق الإيجابية، والإمكانيات الهائلة  للذكاء الاصطناعي  في تحسين الحياة البشرية، يحمل أيضاً مجموعة من التحديات والآثار السلبية المحتملة، ومنها:
    ١- فقدان الوظائف:
    الأتمتة التي يدفعها الذكاء الاصطناعي قد تؤدي إلى استبدال الأعمال البشرية في العديد من القطاعات، ما يؤدي إلى معدلات بطالة مرتفعة واضطرابات في سوق العمل.
    ٢- التحيز وعدم العدالة: تعتمد الخوارزميات على البيانات التي تدخل اليها، فإذا كانت هذه البيانات متحيزة، فإن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى نتائج متحيزة، ما يؤثر سلباُ على مجموعات مستهدفة
    ٣- مخاطر الخصوصية: إن تجميع وتحليل كميات كبيرة من البيانات الشخصية، الذي يعد جزءاً لا يتجزأ من تطوير الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يهدد خصوصية الأفراد.
    ٤- الأمن السيبراني: الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز قدرات الهجمات السيبرانية من خلال إنشاء برمجيات ضارة أكثر تعقيداًأو استهداف الأنظمة بطرق أكثر دقة.
    ٥- السيطرة والاستغلال: هناك مخاوف من أن الذكاء الاصطناعي قد يُستخدم لأغراض الرقابة والسيطرة، خاصةً من الدول أو الشركات الكبرى، لتعزيز القوة والسيطرة على السكان والدول الأخرى .
    ٦- المسؤولية الأخلاقية والقانونية: إن تحديد المسؤولية في حالة الأخطاء أو الضرر الناتج عن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون معقداً، ما يثير تساؤلات حول الأخلاقيات والمساءلة.
    ٧- الاعتماد الزائد على التكنولوجيا: ان الاعتماد الشديد على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى فقدان المهارات البشرية الأساسية والقدرة على اتخاذ القرارات بشكل مستقل.
    لمعالجة هذه التحديات، من المهم تطوير وتنفيذ سياسات وأطر تنظيمية تضمن استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة وأخلاقية تحمي البشر والدول وحقوقهم

  • أهمية المقاومة بالكلمة والصورة

    }‬ د. حسن أحمد حسن*

     

    واهمٌ من يظن أن المهمة التي يضطلع بها الكتَّاب والمحللون والمفكرون وصناع الرأي العام مهمة عادية، أو أنها أقل ضراوة من مهمة حمل السلاح والانخراط في ميادين الصراع المزمن على امتداد جبهات الاشتباك المفتوحة بالمدى والاحتمالات. فالصراع الذي دخل مرحلة جديدة وغير مسبوقة من «كسر العظم» بعد السابع من تشرين الأول 2023م. لم يعد كما كان، بل انتقل بالمنطقة والعالم من تموضع جيوبوليتكي مفروض، إلى تموضع جديد ترتسم معالمه ممزوجة بالكثير من الدماء والتضحيات. وما يميّز هذا الفصل الجديد من الصراع بلوغ الذرى في مختلف الجوانب والمستويات، وليس بالعسكرة فقط، أي أنه صراع مركب ومعقد يتضمّن في تداعياته غالبية مناحي الحياة العسكرية والمجتمعية والسياسية والإعلامية والدبلوماسية، والمتابع الموضوعي يدرك أنّ المواجهة القائمة تشتدّ ضراوة يوماً بعد آخر، وهذا يعني ازدياد المخاطر والتهديدات بالقدر نفسه لازدياد الفرص لدى أطراف الصراع الذي سيصل في يوم ما عاجلاً أم آجلاً إلى محطة صرف المنجزات والخيبات على طاولة السياسة، وأخطر ما في الأمر أن المرحلة التالية من الصرع والاشتباك سترتكز على ما يتمّ إرساؤه من قواعد ومحدّدات ما تزال معالمها العامة قيد التبلور، ولا يستطيع أي طرف ـــ حتى الآن ـــ الادعاء بالقدرة على فرض إرادته، فلا المحور الصهيو ـــ أميركي قادر على تسويق صورة انتصار، وإرغام أطراف محور المقاومة على القبول والتسليم بتفوّق أنصار القوة العسكرية، وقدرة آلة القتل والتوحّش على سفك الدم والإجرام عاجزة عن فرض شريعة الغاب على الرغم من المستويات المتعددة وغير المسبوقة التي بلغها التوحّش والإفراط في عمليات الإبادة الممنهجة من دون وازع من ضمير أو حساب للمدخلات الجديدة التي أدخلتها المقاومة على الرأي العام الإقليمي والدولي. وفي الوقت نفسه فإن محور المقاومة ــ برغم الأداء الإعجازي لجميع أطرافه وأقطابه ــ ليس قادراً على دفع أطراف المحور الصهيو ــ أميركي للاقتناع بمشروعية المقاومة واستحالة مصادرة إرادتها، وعلى الرغم من عظمة ما أنجز على صعيد الرأي العام إلا أنه ما يزال متعذراً إقناع المعسكر الأكثر إجراماً وتنكراً لكل ما له علاقة بالقيم الإنسانية وأعراف المجتمع الدولي بعقم الاستمرار بمثل هذه السياسة العدوانية التي لم تجلب لأصحابها في هذه الجولة الجديدة من الصراع إلا المزيد من الإخفاق الاستراتيجي والفشل في استخدام عوامل القوة والردع التي كانت أداة أولئك لمصادرة إرادة المجتمع وقراره، ويبدو أنه اقترب موعد تحرير البشرية من إبقائها رهينة البارانويا والنرجسية المفرطة بآن معاً.

     

    الأكثر غرابة في الأصوات النشار التي ترتفع منذ أشهر تلك النبرة المشبوهة والتساؤل الخبيث عن جدوى الاستمرار بالكتابة عن الصمود والمقاومة، طالما أن الثمن باهظ والتكلفة مرتفعة جداً، والفاتورة المطلوبة مسبقة الدفع وليست لاحقة التسديد، ومن الممكن والميسّر توفير كل ذلك بتغيير المنطلقات، والكفّ عن المكابرة، والتسليم بعقم المواجهة، لأن واشنطن تصطف بكل ثقلها مع الكيان الإسرائيلي، وأثبتت أنها طرف أساسي في هذه الحرب، وليست مجرد داعم بلا حدود لحكام تل أبيب. ومن الطبيعي أن يتضمّن أي ردّ على أولئك التشديد على أن كل مقاوم ـــ وعلى تنوّع أشكال المقاومة ـــ يدرك أن واشنطن فاعل أساسي في هذه الحرب، ولأن ذلك كذلك فاستمرار منع مصاصي الدماء، وأعداء إنسانية الإنسان من تحقيق أهدافهم الشريرة واجبٌ شخصيٌ ووطنيٌ وأخلاقيٌ وإنسانيٌ، وهو فرض عين وليس فرض كفاية على مَن يستطيعه، وكما أن إقامة الصلوات اليوم لا تعفي المصلي من واجب إقامتها غداً، كذلك لا يعفي المقاومين بالكلمة قول كلمة الحق في جولة من جولات صراع الحق ضد الباطل، ولا يبيح لأي منهم ترف التفكير بالانكفاء في يوم لاحق، وقد يكون من المفيد هنا الإشارة إلى بعض الأفكار الرئيسة والعناوين العريضة التي تساعد في فهم حقيقة هذا الأمر ومدى خطورته، ومنها:

     

    *أهميّة المقاومة بالكلمة، وتفعيل الطاقات لمواجهة الأخطار الوجودية التي يسوّق لها أصحاب الأقلام المأجورة، وليس العكس، وليسمح لنا مُدّعو العصرنة الموبوءة بتحمّل المسؤولية عن إخفاقهم في تنفيذ المهمة القذرة الموكلة إليهم، وتحميلهم وأسيادهم ومشغليهم مسؤولية الإخفاق في مصادرة الرأي العام وتوجيهه، وفق ما يريد أنصار ثقافة «الكاوبوي» وعنصرية من ينادون جهاراً بتفوقهم العرقي على العالم أجمع، وإصرارهم على اتخاذ «الغير» بكليته خدماً لهم، وأدوات مشروعة الاستخدام لنحر قيم الحياة، وحق الأفراد والدول والشعوب في الحياة وفق النموذج الذي يختاره كل شعب، وليس وفق شريعة الغاب التي لن تستثني وحوشها المفترسة من إمكانية التحوّل إلى فريسة في لحظة ما، وقد تتوافر كل معطيات ذلك في أي جولة من جوالات الصراع المزمن والمفتوح على المجهول.

     

    *طالما أن الكلمة المقاومة تزعج أولئك الذين يدعون أنهم طلاب سلام وهدوء واستقرار وازدهار ورخاء وغير ذلك من مفردات تدفع سامعها إلى التقيّؤ وهو يرى الهوة بين ما يُقال، وبين ما يُمارس ويُطبق على أرض الواقع. فهذا يدفع المؤمنين بأهمية الكلمة لتذكير أولئك المتملقين بقوله تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم)، فإذا كان مشغّلوكم على هذا القدر من السماحة والطيبة والحرص على الأمن والاستقرار والهدوء، فلماذا لا تنصحونهم وتكتبون لهم لتطليق وحشيتهم المفرطة، أو على الأقل تخفيف مظاهر الإبادة الجماعية الممنهجة لأبناء جلدتكم، بدلاً من الاستماتة لتبرير تلك الجرائم التي لم تعُد قابلة للقياس، ولم تشهد لها البشرية نظيراً عبر امتداد تاريخها الطويل؟

     

    إذا كان الإعلام المقاوم غير ذي جدوى ولا فائدة، ولا طاقة لعشاقه في مواجهة إمبراطوريات الإعلام الكبرى المسخّرة لخدمة سياسات واشنطن وتل أبيب، وإذا كان الكتاب المقاومون منفصلين عن الواقع كما تدّعون، فلماذا إصرار أسيادكم ومشغليكم على محاربة هذا الإعلام والإعلاميّين، وكيف يمكن تفسير ذلك مع حمّى حظر أصحاب الأصوات الحرة، ومنعهم من النشر عبر المنصّات التي يسيطر عليها أولئك الذين أثبتوا بالبراهين الدامغة أنهم أبعد ما يكونون عن كل ما له علاقة بحريّة الرأي والحق في التعبير عن وجهات النظر الذاتية المتناقضة جملة وتفصيلاً مع سياسة القهر والإقصاء والوأد عندما تتوفر إمكانية ذلك.

     

    *الخطاب الذي يتبناه غالبية الكتَّاب المقاومين يبقى دون المواقف الرسمية المعلنة من قادة محور المقاومة ورموزها، في حين أن خطاب الآخرين وبخاصة أصحاب ثقافة التيئيس والإحباط هو أرفع بكثير من خطاب حكومة نتنياهو وإدارة بايدن. فمن هو المنفصل عن الواقع، ومن الذي يجب أن يغيّر مفرداته وطروحاته، ولتوضيح حقيقة هذا الأمر أكتفي بالإشارة إلى بعض الجوانب المتعلقة بسقوف خطاب الإعلام المعادي الرسمي، وبعض تصريحات العديد من المسؤولين الرسميين الحاليين والسابقين، ومنها:

     

    ــــ مئات المقالات والتحليلات التي تؤكد على انسداد الأفق ووهم الحصول على أي صورة من صور النصر مستحيل التحقيق، وقد نقل الإعلام الإسرائيلي في الأيام القليلة الماضية عن نائب رئيس الأركان السابق ورئيس حزب «العمل» حالياً يائير غولان قوله لـ»القناة 12»: (أنا ملزم قول هذا وبشجاعة لكل الإسرائيليين.. «إسرائيل» لا تستطيع اليوم فتح حرب في الشمال).

     

    ـــ نشرت صحيفة «هآرتس» العبرية منذ يومين تحليلاً يوضح أن (نظرية حزب الله القتالية أكثر تطوراً بكثير من مجرد تدمير المستوطنات، لقد نجح المخططون والاستراتيجيون في المنظمة خلال السنوات الـ 18 الماضية، منذ نهاية حرب لبنان الثانية، في بناء قاعدة معرفيّة عن كل مستوطنة تقريباً، صغيرة كانت أم كبيرة، وعن جميع أراضي «دولة إسرائيل»، وأصبحت في متناول يد حزب الله، من المؤكد أن مثل هذا العمل لرسم خرائط «ملفات المستوطنات» الذي يعتمد على الصور الجوية وصور الأقمار الصناعيّة (حتى لو كانت من مصادر علنية، مثل «غوغل إيرث» يشكل بالتأكيد إنجازاً مثيراً للإعجاب).

     

    ـــ التصريحات المتتالية والعديدة التي أطلقها اللواء في الاحتياط، والمفوّض السابق لشكاوى الجنود في «الجيش» الإسرائيلي، إسحاق بريك، والتي تؤكد أنّ (الحرب في غزة «فقدت غايتها»، وأنّ استمرارها لنحو تسعة أشهر من دون تحقيق الأهداف المعلنة، يكبّد «إسرائيل» الخسائر على أكثر من صعيد… وإضاف: أنّ ــ الحرب على غزّة مستمرة فقط من أجل مصلحة رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو»… ووصف بريك ما يجري في رفح بـ»العار»، موضحاً أنّ «الجيش» لا يقاتل حماس بشكل فعلي، بل إنّها «تفخخ الطرقات ونحن نُقتل»، وقال: «قلصنا قدرة الجيش في 20 عاماً حتى بات لا يمكنه الانتصار على حماس»، متحدثاً عن «هزيمة استراتيجية لم تشهدها إسرائيل منذ إنشائها»، في ظل الحرب المستمرة).

     

    ــ يمكن للمهتمّين بهذا الشأن متابعة تصريحات رئيسي الوزراء السابقين إيهود باراك وإيهود أولمرت، والوزيرين المستقيلين من كابينيت حرب نتنياهو: بني غانتس وغادي آيزنكوت، وقبل هذا وذاك من حق من يودّ معرفة الحقيقة أن يتساءل: ماذا يعني إقدام نتنياهو على حل مجلس الحرب المصغّر الذي تمّ تشكيله للتغطية على الإخفاقات الإسرائيلية المدوية منذ السابع من تشرين الأول، وما حلّ ذاك الكابينيت إلا اعتراف صريح وعلني من نتنياهو نفسه بالعجز عن تغطية الإخفاقات، وإضافة إخفاق آخر هو الأكثر وضوحاً بالإعلان عن حل «مجلس الحرب المصغر» واستبداله بمجلس للمشاورات، وكل المعطيات تشير إلى أن الوقت لن يطول حتى يرى العالم ويسمع بما لا يخطر على الذهن من تداعيات تنتظر ذاك الكيان المؤقت المنقسم على نفسه والعاجز عن تحقيق أي هدف استراتيجي تم رفعه في سوق تداول عملة صدئة وفاقدة لصلاحية التداول في أسواق بورصة القيَم والأخلاق التي تعمل المقاومة بكل أطرافها وأقطابها على إعادة ضخ الدماء في شرايينها وإعادة الحياة إليها بما ينسجم والقانون الدولي ويتفق مع قيم المجتمع الإنساني وأعرافه، ولن يصحّ في نهاية المطاف إلا الصحيح، وإن كانت التكلفة عالية، فأصحاب الحق والإرادة يعرفون كيف يدافعون عن حقوقهم، وكيف يرغمون الأعداء على دفع الفاتورة الأعلى لأنها فاتورة وجود أو زوال.

  • فلسطين عنوان الصمود والانتصار القادم

    كتب د سليم الخراط

    استيقظوا من ثباتكم ايها الغافلين والمحبطين والراكعين السجد المستسلمين لسيدكم الشيطان الأكبر وأعوانه، حيث لابد من الصحوة أنها قادمة مع طوفان الأقصى ظهرت معالم عودتها ..، لتعود النخوة والعزة والشرف والكرامة ..
    أبداها بجملة واحدة ..، لقد زوّروا هويتي ..، من رمضان وقد كتبت في رمضان المبارك على أرض الممانعة أرض الصمود محور المقاومة في لبنان بكلمات تقول :
    زوّروا هويتي وأنا أرفضُ الهوية، وعالمٌ عربيٌّ يثيرُ الخجَلْ وغزلٌ بين ذئبٍ وحمَلْ، ويهوديٌّ يمتطي ظَهرَ جمَل، وأرى الذئبَ بكوفيّة، وليتَ الجامعةَ جامِعةٌ، ليتها نظيفةٌ غير مُلوّثةٍ بقذارةٍ عِبريّة، أرى أمريكا تؤمُّ المُصلّين، وأرى النفطَ على طاولة الميسرِ، أراهُ في علب الليلِ يُستبدل بمتعةٍ جنسيّة ، هم من زوّروا هويتي، وأنا أرفضُ هذه الهوية .. .
    في مشهد مؤلم لم يحدث إلا في ‎غزة ..!!، حين نرى قطة تودع صديقها الطفل الذي توفي إثر القصف الإسرائيلي، فحتى الحيوانات تحركت ضمائرها والضمير الغربي وبعض صهاينة العرب من الأنظمة لا زالوا معدني الضمير، لعل ضمير احدهم يصحوا يوما إن كان عربي الدماء كريم العزة والشرف والنفس ..!!؟ .
    المشهد العام يوضحه الكاتب د. احمد الدرزي وهو يقول : كان واضحاً من اليوم الأول لحصول عملية “طوفان الأقصى” أن العالم أجمع ذاهب إلى مسار جديد من التاريخ، وهو يشكل فرصة ذهبية للنظام العربي لتغيير الرهانات وإعادة التموضع التدريجي من خارج الاستقطاب المستمر ضمن بنية النظام الغربي والذهاب نحو استقلال حقيقي يحقق له دوراً إقليمياً بناءً على قدراته الذاتية، وليس على ما يُمنح له من دور مرسوم وفق مقتضيات المصلحة الغربية الإسرائيلية، ولكن الحسابات السياسية والخشية من سقوط ما تم بناؤه خلال عقود من الزمن، بما في ذلك تسارع بناء “المشروع الإبراهيمي” في العقد الأخير، كمظلة جامعة له مع “إسرائيل”، عدا عن الخوف من عودة الإسلام السياسي إلى واجهة الأحداث داخل دوله كنتيجة لانتصار حركة حماس بجذورها التاريخية مع عدم القدرة على الإدراك بأنها من الناحية الحقيقية حركة وطنية فلسطينية وفقاً لميثاقها عام 1995 ومكان مقاومتها في أرض فلسطين، وعدم التمييز بين خطها العام وبين بعضها الذي ارتكب خطأً فاحشاً بالتورط في الحرب السورية .
    الفرصة الحقيقية للإجابة عن سؤال اليوم التالي لإيقاف إطلاق النار في غزة هي مسؤولية قوى المقاومة في مواجهة السؤال نفسه لدى النظام الغربي ومعه النظام العربي، وهذه هي الفرصة الأولى التي تتاح لمنطقة غرب آسيا كي تعود ضمن مشروع طويل المدى لإعادتها إلى سياقها التاريخي الطبيعي كمركز للعالم القديم الذي انبثقت منه الحضارات والإمبراطوريات في الأعوام الخمسة التي مضت في منطقة جغرافية شاسعة تمتد من الهضبة الإيرانية إلى هضبة الأناضول ثم وادي النيل، قبل أن يخرج منه الفعل في القرنين الماضيين بعد صعود النظام الغربي المُنهك للشعوب وما قام به من تحطيم له وبناء أنظمة سياسية يُختزل دورها كحراس للحدود الفاصلة بين شعوبها المتداخلة في ما بينها، وما كانت لهذه الفرصة أن تتحقق لولا تراكم إنجازات قوى المقاومة على مدى أكثر من أربعة عقود من الزمن، وخصوصاً بإبداعها الأهم والأكبر بعد عملية “طوفان الأقصى” وإنجازات الحرب المركبة طويلة المدى المستمرة حتى الآن، لذا لابد من أن نعرج لنقرأ من وحي ملتقى مجلس التعاون الإقليمي حول طوفان الأقصى وتداعياته لنفهم من المثير ..

    بكلمات كتبوها هم واختصروا المشوار ..!!؟؟ حيث يقول الكاتب البريطاني ديفيد هيرست :
    لأول مرة يجد الفلسطينيون قيادة لن تتنازل عن مطالبهم الأساسية لأن المفاوض هو يحيى السنوات وليس عباس ولا عرفات ..، بل لأن المفاوض يحمل السلاح رافعا رأسه بعز وكرامة ولا يرفع غصن زيتون مطأطأ رأسه لأسياده، لأن المفاوض هذه المرة تخرج من مدرسة المقاومة وسلاحه الاسلام وليس من مدرسة أوسلو واتفاقيات كامب ديفيد ..!!؟ .
    لابد سيعود السلام للمظلومين والمستضعفين بقوة وإرادة أحراره المكللين بالعزة والنخوة والكرامة التي فقدتها معظم أنظمة الأمة العربية والإسلامية ..، وتفقدهاشعوبها يوما بعد يوم ..!! .
    الدرس التاريخي لمحور المقاومة والرجال الرأس من المقاومين في فلسطين ومحور الإسناد للمقاومة يحدد لنا ‏ما هي استنتاجات حرب غزَّة لنتعلم ونصحوا لحالنا .. :
    ‏_ مجلس الأمن عصابة دولية.
    ‏_ القانون الدولي حبر على ورق.
    ‏_ الإدارة الأمريكية ،عدوة الإسلام والمسلمين، والانسانية وهي القاتل الحقيقي لأهل غزة.
    ‏_ حقوق الإنسان كذبة.
    ‏_ العالم أعمى وأعور، فأطفال غزَّة ليسوا كأطفال أوكرانيا.
    ‏_ الحقَّ يُنتزع انتزاعاً ولا يُستجدى.
    ‏_ من أراد شيئاً أخذه رغماً عن العالم.
    ‏_ تحرير فلسطين من بحرها إلى نهرها ممكن.
    ‏_ ما حدث مقدمة لما سيأتي .
    ‏_ من أراد استطاع رغم صعوبة الواقع.
    ‏_ غزَّة المحاصرة صنعت سلاحها بابسط الامكانيات والمصانع الحربية تصنع الثلاجات والبوتجازات، والي الله المشتكى
    ‏_ نحترم النِّعم، فشربة الماء النَّظيف حُلُم، والرَّغيف الطازج إنجاز، والاستحمام رفاهية تفوق التمدد على شواطئ المالديف، والبيت الصّغير أثمن من قصور الدُّنيا، إن لم يسقط على رؤوس ساكنيه .
    _ أمثال الصَّحابة يعيشون بيننا .
    ‏_ أحفاد خالد يقتحمون صفوف الأعداء بشجاعة وثبات .
    ‏_ أحفاد سعد يرمون بدقّة فائقة .
    ‏_ أحفاد عكرمة يتبايعون على الموت .
    ‏_ أحفاد القعقاع يخلع صوتهم القلب، وهم يصرخون باسم الله الغالب .
    ‏_ الخنساء لم تمُتْ، وأن الآلاف مثلها يعِشْنَ بيننا .
    ‏_ الأطفال إذا ربَّاهم الأخيار، بلغُوا مبلغ الرَّجال، وفاقوا أقرانهم .
    ‏_ العقيدة سلوكٌ متوج بالرضى عن الله وقضائه، فالغزيون يجمعون أشلاء أحبابهم وهم يحمدون ربَّهم، ويمسحون دموعهم وقد امتلأت قلوبهم بحب ربهم، ففاض ذلك الحب على ألسنتهم وجوارحهم .

    2030 فلسطين ستكون دولة حرة ..
    قراءة لافتة عن الأحداث المفتعلة عالميا في أفكار

    التوجهات الروسية تقول :
    – أن إنقاذ البشرية يُحتم علينا ضرورة توجيه ضربة نووية استباقية لبعض الدول الأوروبية ( لردع الغرب .. .
    – وأنه مجنون من يظن أن الولايات المتحدة ستضحي بكاليفورنيا أو بوسطن من أجل الدفاع عن وارسو أو بوخارست .. .
    – ومع هذا، في حال ردّت الولايات المتحدة على الضربة النووية الروسية، سيكون من الضروري تنفيذ ضربة أخرى على القواعد الأمريكية في أوروبا .. .
    – علينا أن نعلم أن الكلفة البشرية لهذه الضربة عالية جداً، لكنها السبيل الوحيد لإنقاذ البشرية من المصير الأسود الذي يقودنا إليه الغرب .. .
    لذلك الشرق الأوسط سيكون المكان المزدهر البديل لأوروبا ما بعد فناء القارة العجوز .. .
    وهذا ما يبرر الضغط (الصيني – الايراني – الروسي) المشترك على دول المنطقة بشكل كبير لصفقة سلام شامل تنهي الصراعات جميعها .. .
    – لذلك ومع وصولنا لعام 2030 لا يجب أن تُطلق رصاصة واحدة بكل الشرق الاوسط .. .
    ولكن السؤال الذي علينا أن نضع ردا له هو : هل ستكون إسرائيل موجودة حينها ..!!؟ حتما لا احد يعلم .. لكن ثقوا أن دولة فلسطينية ستكون موجودة حتماً ..!!؟؟ .
    ‏حفظ الله فلسطين واهلها وغزة وأهلها ومجاهديها ..، وسدد رميهم وثبت أقدامهم ونصرهم على القوم الكافرين والمطبعين من اليهود الصهاينة الذين يحكمون معظم أنظمة العروبة والإسلام ..!! .

  • بهجة العيد والدلالات الموجعة

    د حسن أحمد حسن

    للعيد بهجته الذاتية مهما تكن الظروف المرافقة ضاغطة وموجعة، والاحتفاء بالعيد ــ بغض النظر عن مستوى البهجة أو الأوجاع ـــ أمرٌ مهمٌ للحفاظ على القيم والمعاني والدلالات التي يتضمنها العيد، وهناك من يرى أن العيد ما سمي عيداً إلا لعودته بعد إتمام الدورة السنوية، وهذا يعني التأكيد على أهمية الاحتفاء بالعيد وإحيائه بشكل دوري كل عام، وهنا يجد المرء ذاته أمام ثنائيات تبدو متناقضة في الظاهر، لكنها في حقيقة الأمر ليست كذلك، فالعيد يعني البهجة والفرح والثياب الجديدة وتقديم الأضاحي والتواصل الخلاق والمثمر، وواقع الحال يقول: إن كل ذلك إما أصبح في خانة المتعذر أو في الحدود الدنيا لإمكانية تقمص شخصية الناس الذين يعيشون فرحة العيد، ونظراً لتعدد جوانب هذه الصورة المركبة أرى ضرورة الابتعاد عن الجانب الديني، لأن الكتابة في هذا البعد تتطلب الاختصاص، ولا أدعي أن من فرسان هذا الميدان الزاخر بالعديد من السادة العلماء ورجالات الفكر الديني الصحيح الذي انطلق من دمشق إلى بقية أنحاء المعمورة، وسورية غنية بهؤلاء السادة الذين كانوا جنباً إلى جنب مع رجال الجيش العربي السوري الميامين في الدفاع عن عزة الوطن وكرامته وسيادته، ولهم جميعا كل الاحترام والتقدير، وكيف لا وهم الذين رهنوا حيواتهم لشرح المضامين الدينية بالشكل الصحيح، جزاهم الله عنا الخير.
    انطلاقاً مما سبق ستقتصر مقالتي على مقاربة بعدين آخرين لإطلالة عيد الأضحى المبارك: البعد المجتمعي، والبعد السياسي الخاص بغزة العزة وشعبها الصابر المحتسب الصامد المحتضن مقاومته، والمصمم على تقديم التضحيات مهما بلغت دفاعاً عن الحق والكرامة وإنسانية الإنسان، في حين أن أمة الملياري مسلم ما تزال غالبية دولها تتابع حياتها وكأن أنهار الدم الفلسطيني والدم المقاوم في بقية جبهات الإسناد والدعم لا يعني لأولئك شيئاً… في عيد الأضحى المبارك يزداد الجرح عمقاً، والدماء النازفة غزارة، وأعداء الله والإنسانية يزدادون إجراماً ووحشية، ولا يحرك كل ذلك شعرة في مفرق هذا المسؤول أو ذاك ممن ارتضوا لأنفسهم الإذعان والذلة والخضوع، وفرضوا على دولهم وشعوبهم حالة من السلبية القاتلة والعجز المفروض، في الوقت الذي يرى فيه العالم بأم العين ويتابع ما يتفتق عنه الخبث الغربي، والحقد والإجرام المسيطر على المتغطرسين المتكبرين الذين استمرؤوا تبادل الأنخاب بجماجم الضحايا، وما كان لهم أن يستمروا بجريمة الإبادة الجماعية والتهجير القسري الممنهج لولا صمت من ربطوا استمرارية كراسيهم وعروشهم برضا أعداء الله والحق والإنسانية، فعذراً أطفال فلسطين، وأنتم تستقبلون عيد الأضحى بقوافل الشهداء، وعذراً يا شعب الجبارين في غزة وبقية أقطاب محور المقاومة، فالضمير العالمي أُدْخِلَ عنوةً في غيبوبة تمهيداً لتحنيطه في مختبرات القتل والإجرام، وهيهات لكل طواغيت الكون أن يفلحوا في تحقيق أي من أهدافهم الشريرة.
    آثرت الاكتفاء بالأسطر القليلة السابقة الخاصة بالبعد السياسي، لأن أوجاع الواقع القائم تحتاج لمجلدات للتعبير عن بعض حقائقها الجاثمة في الأذهان، والضاغطة على القلوب والضمائر، أما ما يتعلق بالبعد المجتمعي فهو خاص ومحصور بنا نحن السوريين الذين نعيش أيام عيد الأضحى المبارك ــ أعاده الله على الجميع بالخير والبركات ـــ وأرى ضرورة استذكار صور إحياء هذا العيد قبل عقود، وترك القارئ أمام حقيقة ما كانت عليه طقوس العيد، وما آلت إليه، وله أن يعتمد المقارنة أو القياس إن شاء، ويمكن باختصار شديد الإشارة إلى بعض الدروس والعبر والدلالات، ومنها:
    • نبذ العداوة والبغضاء، ووأد الخصومة والضغائن مهما بلغت، والتصالح بين جميع أبناء هذه القرية أو البلدة، فلا يحق لأحد أن يرفض ذلك، بل على الجميع الإذعان للمصالحة بمناسبة العيد واللقاء بمن يخاصمونهم، أو بمن قطعوا التواصل معهم لسبب أو لآخر، ففي العيد حتمية اللقاء والتواصل وتبادل التحية والسلام والاحتضان والصفح والمسامحة بغض النظر عن المظلومية التي تعرض لها هذا الشخص أو ذاك، فالصلح سيد الأحكام، والمصالحة بوابة لفتح صفحة جديدة تنعكس إيجاباً على الجميع، وهكذا يُسْتَقَبَلُ العيدُ بما يليق به، ويمضي جارفاً معه كل ما له علاقة بالأحقاد والخصومة والزعل والقطيعة، واستبداله بمزيد من المكاشفة والبوح والاعتذار وجبر الخواطر، فلا مكان ولا مكانة لمستكبر متغطرس، ولا مبر لاستضعاف أحد أو التطاول على كرامته، ومعاً يبدأ الأهل عاماً جديداً يتبادلون فيه المحبة والتعاون وشد أزر بعضهم بعضاً.
    • عودة غالبية المسافرين إلى القرى والبلدات، ففي العيد يجتمع الأهل والأحبة، ويتبادلون الزيارات والتهنئة بالعيد، ولا مبرر لأحد في التخلف عن الحضور طالما أنه يستطيع العودة وقضاء فترة العيد مع الأهل والجيران، فالعمل في محافظة أخرى أو مدينة بعيدة، والتذرع بوعثاء السفر وصعوبته ليس مسوغاً قط، وغالبية من هم خارج بلداتهم وقراهم يعودون زرافات ووحدانا، حتى لتكاد معالم كل حي وحارة ترقص فرحاً بعودة الأبناء واجتماعهم، وإطفاء نار الشوق التي تبعد الابن عن والديه، والشقيق عن شقيقه، ولا منَّةَ لأحد في العودة ضمن عطلة العيد، بل فعل ذلك واجبٌ لا مندوحة عن أدائه.
    • التكافل والتعاضد، ومد يد العون لكل المحتاجين بعيداً عن حب الظهور وتسويق الذات كفاعلٍ للخير، فعلى كل مقتدر أن يقدم ما يراه واجباً لجبر خواطر البقية من أهله ممن يحتاجون المساعدة بعيداً أيضاً عن ذل السؤال والطلب، وحتى على مستوى تقديم الأضاحي لم يكن يوماً للتفاخر والتباهي بل للتقرب إلى الله، ومن يقبل دعوة هذا الشخص أو ذاك لتناول طعام الغداء على مأدبته في العيد يكون صاحب الفضل الأكبر على من قدم الأضاحي وأقام الولائم وليس العكس، أي أن الفقير يتفضل على الغني عند قبول دعوته والحضور على مأدبته، فكم نحن اليوم أحوج لتمثل هذه القيم والمعاني والدلالات؟…
    أختم لأقول بصيغة الاستفهام الإنكاري: أليست الأفكار الثلاثة السابقة جديرة بالتبني والعمل على بلورتها وضخها لتصبح جزءاً من طرائق تفكير المجتمع؟ وهل تصلح لتكون المادة الرئيسة في أي حوار وطني داخلي بين أبناء الشعب السورية، أم لا، وهنا أبيح لنفسي أن أرفع سقف الأحلام الذاتية آملاً أن تكون مجالسنا وحواراتنا واجتماعاتنا العامة والخاصة مزينة بطرح هذه الأفكار، وقد يكون الظرف القائم الذي نعيشه في وطننا الأغلى سورية الحبيبة أكثر من مناسب، حيث القيادة المركزية الجديدة للحزب، وإمكانية مقاربة كل الملفات بطريقة أكثر مردودية ومسؤولية، وهنا أبيح لنفسي من جديد أن أرفع السقف أكثر فأحسب أن كل عضو من أعضاء مجلس الشعب يتبنى هذه الأفكار ويحملها في وجدانه وقلبه وفكره إلى تحت قبة المجلس في دوره التشريعي القادم وفق الانتخابات المقررة في الخامس عشر من شهر تموز2024، وأستطيع أن أجزم القول: إن تحقيق هذا الأمر وتبني السادة النواب برنامج عمل يضع في أول سلم اهتماماته شد أزر السوريين جميعاً إلى بعضهم بعضاً يخفف الأوجاع عن الجميع، ويعيد للعيد بهجته وألقه، والكثير من الثمار تنتظر، وهي قابلة للنضج في وقت قياسي شريطة الخروج من الشخصانية و”الأنا” الضيقة إلى “النحن” المجتمعية الكفيلة بتغيير الكثير من معالم الصورة التي أفرزتها سنوات الحرب القذرة المفروضة على السوريين منذ آذار 2011م. على أقل تقدير.

  • الدكتورة هالة الأسعد استقبلت الفقيه القانوني الدكتور عبود السراج

    زيارة الفقيه القانوني الدكتور عبود السراج الى مقر جامعة الأمة العربية في دمشق وتم البحث مع الامين العام لجامعة الأمة العربية الدكتورة هالة الأسعد بمجال التعاون لصالح العمل القانوني لصالح فلسطين وسورية والأمة العربية

  • تركيا ورقصة البهلوان واستدارة نحو دمشق

    تركيا ورقصة البهلوان واستدارة نحو دمشق
    *******
    كثرت تسريبات الأخبار، التي تتحدث عن اتفاق شبه منجز، لانسحاب تركيا من ادلب، والمناطق التي تحتلها، سواء يشكل مباشر، أو من خلال المجموعات الإرهابية المسلحة، التي تدعمها، في ارياف حلب وحماه واللاذقية.
    ومع غياب أي موقف رسمي من دمشق، أو أنقرة، يؤكد أو ينفي هذه التسريبات، لكن ثمة مؤشرات عديدة، من مسؤولين أتراك كبار، ومن الإعلام الموالي لأردوغان، يؤكد وجود تغير واضح في المواقف التركية، ويشي بوجود شيء ما، يجري ترتيبه وراء الكواليس.
    فوزير الدفاع التركي “يشار غولر” قال إن بلاده تدرس، إمكانية سحب قواتها من سورية، بشرط أن يتم ضمان بيئة آمنة، وأن تكون الحدود التركية آمنة.
    أما زعيم حزب الحركة القومية التركي “دولت بهجلي” القومي المتطرف، وشريك أردوغان في الحكم، والذي يعتبر حلب وكل الشمال السوري، جزءا من تركيا، فقد دعا لأول مرة، الرئيس أردوغان، إلى تعاون عسكري مع الرئيس بشار الأسد، للقضاء على “تهديد المسلحين الأكراد “قسد” في سوريا”.
    كما قالت صحيفة “ايدينليك” المقربة من السلطات التركية، قبل أيام، أن أردوغان والأسد، قد يجتمعان في موسكو، في المستقبل القريب، بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
    أما أقوى المؤشرات، فقد جاءت على لسان مصدر إعلامي، مقرب من وزارة الخارجية التركية، نقلتها قناة (TRT) عربي الرسمية التركية، وقدم فيها تفاصيل مهمة، عن مسودة الاتفاق، الذي يجري الحديث عنه، برعاية روسية، للانسحاب التركي من ادلب وجوارها، وحتى عن مداها الزمني، وهي المعلومات، التي أكدتها مصادر مقربة من قسد.
    ويقول المصدر التركي، أن الحكومة التركية، ستتخذ عدة إجراءات اقتصادية ولوجستية، منها السماح بالتعامل بالليرة السورية، وليس التركية، في المناطق التي تحتلها، والشروع بوضع برنامج لانسحاب كلي، من المناطق السورية، برعاية روسية، تكفل بأن تسيطر وحدات الجيش السوري، على الحدود السورية التركية، وتمنع القوات الكردية، من القيام بأي أعمال ضد تركيا.
    وتحدث المصدر التركي، عن أسابيع قليلة، ستشهد انفراجات في العلاقات السورية التركية، تتوج بانسحاب تركيا من ادلب ومحيطها، في فترة لا تتجاوز بين 3 – 4 أشهر.
    ويكشف المصدر، عن وجود مشكلة كبيرة عند أردوغان، تستلزم إيجاد حل لها، لإنجاز الاتفاق، وهي المجموعات الإرهابية المسلحة، الموجودة برعاية القوات التركية، في المناطق التي تحتلها، وتمتد حتى في داخل تركيا، والمكونة من المجموعات الإرهابية، التي أحضرتها تركيا، في بداية العدوان على سورية، والمجموعات التي رفضت التسوية، مع الحكومة السورية، عند تحريرها المناطق التي كانوا يسيطرون عليها، وفضلوا الانتقال إلى إدلب، وأصبحوا برعاية القوات التركية، وهؤلاء لا يستطيعون العودة إلى كنف الدولة السورية، بسبب الجرائم الإرهابية، وعمليات القتل التي تورطوا بها، والتي لا تدخل في إطار أي قانون عفو، يصدره الرئيس الأسد، عن المعارضين والمسلحين، غير المتورطين في عمليات قتل، كأحد بنود الاتفاق مع تركيا، لأسباب قانونية.
    ويقول المصدر التركي، إن أردوغان سيعقد لقاء قمة، مع الرئيس الروسي فلايدميير بوتين، لمحاولة إيجاد حل لهذه المشكلة، خاصة وأن نسبة كبيرة من هذه التنظيمات الإرهابية تعود لأصول روسية، ومجموعات أخرى من أصول صينية (الإيغور) وهؤلاء أحضرتهم تركيا مع أسرهم، وأسكنتهم في منازل المهجرين السوريين، وخاصة في المناطق المحاذية، للطريق الاستراتيجي (M4) الواصل بين حلب واللاذقية، في خطة كانت تستهدف، إقامة حزام تركي، تضمن من حلاله ضم هذه المناطق إليها.
    ومع كل هذه التسريبات، وغياب أي تأكيد سوري أو تركي لمدى صحتها، لكن كل الوقائع تؤكد، أن لا دخان بدون نار، خاصة وأن أردوغان، المعروف عنه أسلوبه الميكافيلي في السياسة، وخاصة بما يتعلق بمصالحه الشخصية، حتى قبل مصالح بلاده، يؤكد إمكانية استدارته، دورة كاملة، لفتح بوابة العلاقات مع سورية، وهو ما قام به، في علاقاته مع السعودية ومصر والإمارات.
    هذا يؤكد، أن ثمة تغيرات كبيرة وهامة، أصبحت تضغط على أردوغان وتركيا، لتغيير سياساتها في سورية، والانسحاب من المناطق التي تحتلها، كشرط سوري، لتطبيع العلاقات مع تركيا، فما هي هذه الأسباب:
    تحول ادلب من فرصة لتحقيق أهداف أردوغان في سورية، وخاصة في العملية السياسية، لتصبح بما تحتويه من عشرات الألوف من الإرهابيين، الممتدين حتى إلى داخل تركيا، إلى مشكلة تركية حقيقية.
    انتهاء الاستثمار بورقة اللاجئين السوريين، خاصة بعد انخفاض قيمة المبالغ، والمساعدات التي كانت مخصصة لاحتوائهم، وتحولهم إلى مشكلة داخلية تركية، انعكست في صناديق الاقتراع، لغير صالح أردوغان وحزبه، بحسب ما أظهرته، نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة.
    الانتخابات المحلية، التي تنوي قوات سورية الديمقراطية “قسد” تنظيمها، في المناطق التي تسيطر عليها، بمساعدة القوات الأمريكية، شرق الفرات في سورية، والتي ترى فيها تركيا خطاً أحمراً، وتلتقي فيه مع القيادة السورية، وإن كان من منظور مختلف.
    رؤية تركيا لتسارع التطبيع والتقارب العربي والأوروبي مع دمشق، بضوء أخضر أمريكي، وهو ما يجعل تركيا وحيدة، ترفع سيف العداء مع دمشق.
    الكشف عن تواصل سوري أمريكي، قد ينتج عنه التوافق، على أسس لتحسين العلاقات بين دمشق وواشنطن، مما يزيد من عزلة تركيا، ويفاقم من الصعوبات التي تواجهها في سورية.
    وجود تفاهمات عربية روسية غربية، لحل الأزمة السورية، واجتثاث الإرهاب، وحل مشكلة اللاجئين، بعدما أصبحت مشكلة، تؤثر على الجميع.
    تأكد أنقرة بأن تحسن علاقاتها مع الدول العربية، التي تسعى لتطبيع علاقاتها مع دمشق، لا يمكن أن يتم، بوجود عداء تركي لسورية، وبقاء قواتها محتلة، لأجزاء من أراضيها.
    إدراك أنقرة، لأهمية النافذة السورية، للاقتصاد التركي، واستحالة تعافيه، بدون فتح هذه النافذة.
    وقوف حالة العداء التركية لسورية، كأحد نقاط الخلاف الرئيسية، مع كل من روسيا وإيران، وحتى الصين.
    الفشل الأمريكي الإسرائيلي، حلفاء تركيا الأردوغانية، في تحقيق أي من أهداف العدوان على غزة، وهو ما يزيد، من تراجع دور ومكانة تركيا، في ملفات المنطقة، رغم استدارة أردوغان، بعد تأكد الفشل، ورفعه الصوت بوجه حكومة نتنياهو، لكن علاقاته مع الكميان الصهيوني، لم يستطع تغطيتها.
    كل هذه الاسباب، تؤكد وجود المبررات المنطقية، لإحداث تحول جذري، في الموقف التركي، ومن حالة عداء أنقرة لدمشق، بعدما تأكد أردوغان، من فشل كل رهاناته ومشاريعه البائسة، ولم يبق أمامه، سوى فتح النافذة السورية، التي أصبحت شرطا لابد منه، لحل كل الاستعصاءات التركية، وبالتالي ليس مستبعداً، أن يكرر أردوغان، ما قام به، مع السعودية والإمارات ومصر، بابتلاع لسانه، عن كل المواقف العدائية، التي أظهرها تجاه سورية، وتجرع مرارة هزيمة مشاريعه، وحلمه بالصلاة في المسجد الأموي غازياً، للتقليل ما أمكن من خسائره، وهزائم مشاريعه، وبالتأكيد موسكو وطهران، جاهزتان للمساعدة في إتمام المهمة.
    ******
    نشر الموضوع في صحيفة “لا” اليمنية..

    أحمد رفعت يوسف

زر الذهاب إلى الأعلى